فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاقْتِصَارِ غَيْرَ عَدَمِ وُجُوبِ غَيْرِهِ، وَكَوْنِهِ جَمِيعَ الْوَاجِبِ، وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ بِعَيْنِهِ غَيَّرْتُمْ التَّعْبِيرَ عَنْهُ وَكَسَوْتُمُوهُ عِبَارَةً أُخْرَى.

الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ يَقْتَضِي الْمَنْسُوخَ ثُبُوتُهُ وَالنَّاسِخَ رَفْعُهُ، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقَّقٍ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ.

الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّائِدِ وَالْمَزِيدِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مُسْتَقِلٌّ بِإِفَادَةِ حُكْمِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ؛ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ أَحَدِهِمَا وَإِبْطَالُهُ وَإِلْقَاءُ الْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَقِيقِهِ وَصَاحِبِهِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ حَقٌّ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ وَإِبْطَالُهُ إلَّا حَيْثُ أَبْطَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِنَصٍّ آخَرَ نَاسِخٍ لَهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْسُوخِ، وَهَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ مُنْتَفٍ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلَيْنِ مُمْكِنٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا وَلَا تَنَاقُضَ بِوَجْهٍ؛ فَلَا يَسُوغُ لَنَا إلْغَاءُ مَا اعْتَبَرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، كَمَا لَا يَسُوغ لَنَا اعْتِبَارُ مَا أَلْغَاهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ نَاسِخًا لِلْقُرْآنِ وَإِثْبَاتُ التَّغْرِيبِ نَاسِخًا لِلْقُرْآنِ فَالْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ أَيْضًا نَاسِخٌ لِلْقُرْآنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَلْبَتَّةَ، بَلْ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ وَمَعَاقِدُ الْقُمُطِ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْقُرْآنِ، وَحِينَئِذٍ فَنَسْخُ كِتَابِ اللَّهِ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي لَا مَطْعَنَ فِيهَا أَوْلَى مِنْ نَسْخِهِ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ وَالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاسِخًا لِلْقُرْآنِ لَمْ يَكُنْ هَذَا نَسْخًا لَهُ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا نَسْخًا وَذَاكَ لَيْسَ بِنَسْخٍ فَتَحَكُّمٌ بَاطِلٌ وَتَفْرِيقٌ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ مَا خَالَفْتُمُوهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي زَعَمْتُمْ أَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى نَصِّ الْقُرْآنِ إنْ كَانَتْ تَسْتَلْزِمُ نَسْخَهُ فَقَطْعُ رِجْلِ السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ نُسِخَ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا نَسْخًا فَلَيْسَ ذَلِكَ نَسْخًا.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّكُمْ قُلْتُمْ لَا يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ اسْتِحْلَالَ الْبُضْعِ بِكُلِّ مَا يُسَمَّى مَالًا، وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، فَزِدْتُمْ عَلَى الْقُرْآنِ بِقِيَاسٍ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، وَبِخَبَرٍ فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ؛ فَإِنْ جَازَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ فَلِمَ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ؟ وَإِنْ كَانَ هَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ لَمْ يَكُنْ الْآخَرُ نَسْخًا.

الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّكُمْ أَوْجَبْتُمْ الطَّهَارَةَ لِلطَّوَافِ بِقَوْلِهِ: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015