يَقُومُ بِهِ يَكُونُ بِهِ فَاعِلًا كَمَا لَمْ يُثْبِتُوا لَهُ كَلَامًا يَقُومُ بِهِ يَكُونُ بِهِ مُتَكَلِّمًا؛ فَلَا كَلَامَ لَهُ عِنْدَهُمْ وَلَا أَفْعَالَ، بَلْ كَلَامُهُ وَفِعْلُهُ عِنْدَهُمْ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ صِفَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ إنَّمَا يُوصَفُ بِمَا قَامَ بِهِ لَا بِمَا لَمْ يَقُمْ بِهِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي عَشَرَ: وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُجْمَلًا فَنَذْكُرُهُ هَهُنَا مُفَصَّلًا - رَدَّ الْجَهْمِيَّةُ النُّصُوصَ الْمُتَنَوِّعَةَ الْمُحْكَمَةَ عَلَى عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَكَوْنِهِ فَوْقَ عِبَادِهِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَوْعًا: أَحَدُهَا: التَّصْرِيحُ بِالْفَوْقِيَّةِ مَقْرُونَةً بِأَدَاةِ " مِنْ " الْمُعَيِّنَةِ لِفَوْقِيَّةِ الذَّاتِ نَحْوَ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] الثَّانِي: ذِكْرُهَا مُجَرَّدَةً عَنْ الْأَدَاةِ كَقَوْلِهِ {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18] الثَّالِثُ: التَّصْرِيحُ بِالْعُرُوجِ إلَيْهِ نَحْوَ {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَيَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ» .
الرَّابِعُ: التَّصْرِيحُ بِالصُّعُودِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] الْخَامِسُ: التَّصْرِيحُ بِرَفْعِهِ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158] وَقَوْلِهِ {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] السَّادِسُ: التَّصْرِيحُ بِالْعُلُوِّ الْمُطْلَقِ الدَّالِ عَلَى جَمِيعِ مَرَاتِبِ الْعُلُوِّ ذَاتًا وَقَدْرًا وَشَرَفًا، كَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51] السَّابِعُ: التَّصْرِيحُ بِتَنْزِيلِ الْكِتَابِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ - تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ - قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 1 - 102] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَيْئَيْنِ: عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ ظَهَرَ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ لَا غَيْرُهُ، الثَّانِي: عَلَى عُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَأَنَّ كَلَامَهُ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ أَعْلَى مَكَان إلَى رَسُولِهِ.
الثَّامِنُ: التَّصْرِيحُ بِاخْتِصَاصِ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ، وَأَنَّ بَعْضَهَا أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ بَعْضٍ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [الأعراف: 206] وَقَوْلِهِ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19] فَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ لَهُ عُمُومًا وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ مَمَالِيكِهِ وَعَبِيدِهِ خُصُوصًا، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ الرَّبُّ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ «إنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ» التَّاسِعُ: التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ فِي السَّمَاءِ، وَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ تَكُونَ " فِي " بِمَعْنَى " عَلَى "، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِالسَّمَاءِ الْعُلُوُّ، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ النَّصِّ عَلَى غَيْرِهِ؛ الْعَاشِرُ: التَّصْرِيحُ بِالِاسْتِوَاءِ مَقْرُونًا بِأَدَاةِ " عَلَى " مُخْتَصًّا بِالْعَرْشِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الْمَخْلُوقَاتِ مُصَاحِبًا فِي الْأَكْثَرِ لِأَدَاةِ " ثُمَّ " الدَّالَّةِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالْمُهْلَةِ، وَهُوَ بِهَذَا السِّيَاقِ صَرِيحٌ فِي مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يَفْهَمُ الْمُخَاطَبُونَ غَيْرَهُ مِنْ الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ، وَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ أَلْبَتَّةَ؛ الْحَادِيَ عَشَرَ: التَّصْرِيحُ بِرَفْعِ الْأَيْدِي إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ