مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رَأْيٍ وَاخْتِيَارٍ، وَبِمَا فِي الْأُمِّ مِنْ رِوَايَةِ الرُّبَيِّعِ مِنْ رَأْيٍ وَاخْتِيَارٍ، وَبِمَا فِي جَوَابَاتِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ مِنْ رَأْيٍ وَاخْتِيَارٍ، وَلَيْتَكُمْ اقْتَصَرْتُمْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ صَعِدْتُمْ إلَيْهِ أَوْ سَمَتْ هِمَمُكُمْ نَحْوَهُ، بَلْ نَزَلْتُمْ عَنْ ذَلِكَ طَبَقَاتٍ، فَإِذَا سُئِلْتُمْ: هَلْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِي أَوْ أَمْرِ رَسُولِي؟ فَمَاذَا يَكُونُ جَوَابُكُمْ إذًا؟ فَإِنْ أَمْكَنَكُمْ حِينَئِذٍ أَنْ تَقُولُوا " فَعَلْنَا مَا أَمَرْتنَا بِهِ وَأَمَرَنَا بِهِ رَسُولُك " فُزْتُمْ وَتَخَلَّصْتُمْ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْكُمْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ تَقُولُوا: لَمْ تَأْمُرْنَا بِذَلِكَ وَلَا رَسُولُك وَلَا أَئِمَّتُنَا، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْجَوَابَيْنِ، وَكَأَنْ قَدْ.
وَيُقَالُ خَامِسَ عَشَرَ: إذَا نَزَلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إمَامًا عَدْلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا، فَبِمَذْهَبِ مَنْ يَحْكُمُ؟ وَبِرَأْيِ مَنْ يَقْضِي؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ وَلَا يَقْضِي إلَّا بِشَرِيعَةِ نَبِيّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ؛ فَذَلِكَ الَّذِي يَقْضِي بِهِ أَحَقُّ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَقْضُوا بِهِ وَتُفْتُوا، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْضِيَ وَلَا يُفْتِيَ بِشَيْءٍ سِوَاهُ أَلْبَتَّةَ. فَإِنْ قُلْتُمْ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي هَذَا السُّؤَالِ سَوَاءٌ، قِيلَ: أَجَلْ، وَلَكِنْ نَفْتَرِقُ فِي الْجَوَابِ فَنَقُولُ: يَا رَبَّنَا إنَّك تَعْلَمُ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ عِيَارًا عَلَى كَلَامِك وَكَلَامِ رَسُولِك وَكَلَامِ أَصْحَابِ رَسُولِك، وَنَرُدُّ مَا تَنَازَعْنَا فِيهِ إلَيْهِ وَنَتَحَاكَمُ إلَى قَوْلِهِ وَنُقَدِّمُ أَقْوَالَهُ عَلَى كَلَامِك وَكَلَامِ رَسُولِك وَكَلَامِ أَصْحَابِ رَسُولِك، وَكَانَ الْخَلْقُ عِنْدَنَا أَهْوَنَ أَنْ نُقَدِّمَ كَلَامَهُمْ وَآرَاءَهُمْ عَلَى وَحْيِكَ، بَلْ أَفْتَيْنَا بِمَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِك، وَبِمَا وَصَلَ إلَيْنَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِك وَبِمَا أَفْتَى بِهِ مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّك، وَإِنْ عَدَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَخَطَأٌ مِنَّا لَا عَمْدٌ، وَلَمْ نَتَّخِذْ مِنْ دُونِك وَلَا دُونِ رَسُولِك وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً، وَلَمْ نُفَرِّقْ دِينَنَا وَنَكُونُ شِيَعًا، وَلَمْ نُقَطِّعْ أَمْرَنَا بَيْنَنَا زُبُرًا. وَجَعَلْنَا أَئِمَّتَنَا قُدْوَةً لَنَا، وَوَسَائِطَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَسُولِك فِي نَقْلِهِمْ مَا بَلَّغُوهُ إلَيْنَا عَنْ رَسُولِك فَاتَّبَعْنَاهُمْ فِي ذَلِكَ، وَقَلَّدْنَاهُمْ فِيهِ، إذْ أَمَرْتَنَا أَنْتَ وَأَمَرَنَا رَسُولُك بِأَنْ نَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَنَقْبَلَ مَا بَلَّغُوهُ عَنْك وَعَنْ رَسُولِك، فَسَمْعًا لَك وَلِرَسُولِك وَطَاعَةً، وَلَمْ نَتَّخِذْهُمْ أَرْبَابًا نَتَحَاكَمُ إلَى أَقْوَالِهِمْ، وَنُخَاصِمُ بِهَا، وَنُوَالِي وَنُعَادِي عَلَيْهَا، بَلْ عَرَضْنَا أَقْوَالَهُمْ عَلَى كِتَابِك وَسُنَّةِ رَسُولِك، فَمَا وَافَقَهُمَا قَبِلْنَاهُ، وَمَا خَالَفَهُمَا أَعْرَضْنَا عَنْهُ وَتَرَكْنَاهُ، وَإِنْ كَانُوا أَعْلَمَ مِنَّا بِك وَبِرَسُولِك، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ رَسُولِك كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، فَهَذَا جَوَابُنَا، وَنَحْنُ نُنَاشِدُكُمْ اللَّهَ: هَلْ أَنْتُمْ كَذَلِكَ حَتَّى يُمْكِنُكُمْ هَذَا الْجَوَابُ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيْهِ، وَلَا يَرُوجُ الْبَاطِلُ عَلَيْهِ؟
وَيُقَالُ سَادِسَ عَشَرَ: كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ مَعَاشِرَ طَوَائِفِ الْمُقَلَّدِينَ، قَدْ أَنْزَلْت جَمِيعَ الصَّحَابَةِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ وَجَمِيعَ التَّابِعِينَ مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ وَجَمِيعَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ إلَّا مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ فِي مَكَانِ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ، وَلَا يُنْظَرُ فِي فَتَاوَاهُ، وَلَا يُشْتَغَلُ بِهَا، وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا، وَلَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ فِيهَا إلَّا لِلتَّمَحُّلِ وَإِعْمَالِ الْفِكْرِ وَكَدِّهِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ