يَقُولُهُ، وَيُنَزَّلُ قَوْلُهُ مَنْزِلَةِ قَوْلِ الْمَعْصُومِ؛ فَهَذَا الَّذِي ذَمَّهُ كُلُّ عَالِمٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَحَرَّمُوهُ، وَذَمُّوا أَهْلَهُ وَهُوَ أَصْلُ بَلَاءِ الْمُقَلِّدِينَ وَفِتْنَتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُقَلِّدُونَ الْعَالِمَ فِيمَا زَلَّ فِيهِ وَفِيمَا لَمْ يَزِلَّ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ تَمْيِيزٌ بَيْنَ ذَلِكَ، فَيَأْخُذُونَ الدِّينَ بِالْخَطَأِ - وَلَا بُدَّ - فَيَحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَيُشَرِّعُونَ مَا لَمْ يُشَرِّعْ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ إذْ كَانَتْ الْعِصْمَةُ مُنْتَفِيَةً عَمَّنْ قَلَّدُوهُ، وَالْخَطَأُ وَاقِعٌ مِنْهُ وَلَا بُدَّ. وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرٍ هَذَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «اتَّقُوا زَلَّةَ الْعَالِمِ، وَانْتَظِرُوا فَيْئَتَهُ» .
وَذُكِرَ مِنْ حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَشَدُّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي ثَلَاثٌ: زَلَّةُ عَالِمٍ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ، وَدُنْيَا تَقْطَعُ أَعْنَاقَكُمْ» .
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَخُوفَ فِي زَلَّةِ الْعَالِمِ تَقْلِيدُهُ فِيهَا؛ إذْ لَوْلَا التَّقْلِيدُ لَمْ يَخَفْ مِنْ زَلَّةِ الْعَالِمِ عَلَى غَيْرِهِ.
فَإِذَا عَرَفَ أَنَّهَا زَلَّةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلْخَطَأِ عَلَى عَمْدٍ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهَا زَلَّةٌ فَهُوَ أَعْذَرُ مِنْهُ، وَكِلَاهُمَا مُفْرِطٌ فِيمَا أُمِرَ بِهِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قَالَ عُمَرُ: يُفْسِدُ الزَّمَانَ ثَلَاثَةٌ: أَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ حَقٌّ، وَزَلَّةُ الْعَالِمِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ إلَّا قَالَ حِينَ يَجْلِسُ: اللَّهُ حَكَمُ قِسْطٍ، هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ - الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: " وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكِيمِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَقُولُ الضَّلَالَةُ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ، وَقَدْ يَقُولُ الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ ". قُلْت لِمُعَاذٍ: مَا يُدْرِينِي رَحِمَك اللَّهُ أَنَّ الْحَكِيمَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ وَأَنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ؟ قَالَ لِي: اجْتَنِبْ مِنْ كَلَامِ الْحَكِيمِ الْمُشْبِهَاتِ الَّتِي يُقَالُ مَا هَذِهِ، وَلَا يُثْنِيَك ذَلِكَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ يُرَاجِعُ، وَتَلْقَ الْحَقَّ إذَا سَمِعْته، فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَيْلٌ لِلْأَتْبَاعِ مِنْ عَثَرَاتِ الْعَالِمِ، قِيلَ: وَكَيْفَ ذَاكَ يَا أَبَا الْعَبَّاسِ؟ قَالَ: يَقُولُ الْعَالِمُ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ، ثُمَّ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَدَعُ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ: فَيَلْقَى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَيُخْبِرُهُ فَيَرْجِعُ وَيَقْضِي الْأَتْبَاعُ بِمَا حَكَمَ.
وَقَالَ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ: اتَّقُوا زَلَّةَ الْعَالِمِ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ: مَا زَلَّةُ الْعَالِمِ؟ قُلْ: يَزِلُّ بِالنَّاسِ فَيُؤْخَذُ بِهِ، فَعَسَى أَنْ يَتُوبَ الْعَالِمُ وَالنَّاسُ يَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: يَا مَعْشَرَ