يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مَوْجُودَةً أَوْ مَعْدُومَةً، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ إذَا زَوَّجَهُ أَمَةً لَا يَمْلِكُهَا أَوْ ابْنَةً لَمْ تُولَدْ لَهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ فَلَا غَرَرَ فِي تَعَلُّقِهَا بِالْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَمَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ وَمَا لَا يَقْدِرُ، وَطَرْدُهُ الْهِبَةَ؛ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ فِيهَا؛ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِبَةُ الْمُشَاعِ الْمَجْهُولِ فِي قَوْلِهِ لِصَاحِبِ كُبَّةِ الشَّعْرِ حِينَ أَخَذَهَا مِنْ الْمَغْنَمِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَهَبَهَا لَهُ فَقَالَ: «أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكَ» .

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ: بَلْ الشَّرْعُ صَحَّحَ بَيْعَ الْمَعْدُومِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ؛ فَإِنَّهُ أَجَازَ بَيْعَ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَالْحَبِّ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَأَبَاحَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالْحِصْرِمِ جَازَ، فَإِنَّمَا نَهَى عَنْ بَيْعِهِ إذَا كَانَ قَصْدُهُ التَّبْقِيَةَ إلَى الصَّلَاحِ، وَمَنْ جَوَّزَ بَيْعَهُ قَبْلَ الصَّلَاحِ وَبَعْدَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا وَجَعَلَ مُوجَبَ الْعَقْدِ الْقَطْعَ، وَحَرَّمَ بَيْعَهُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ مُطْلَقًا؛ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ لِظُهُورِ الصَّلَاحِ فَائِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَذِنَ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ: مُوجَبُ الْعَقْدِ التَّسْلِيمُ فِي الْحَالِ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَأْخِيرِهِ سَوَاءٌ بَدَا صَلَاحُهُ أَوْ لَمْ يَبْدُ، وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، وَقَوْلُهُ: " إنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ التَّسْلِيمُ فِي الْحَالِ " جَوَابُهُ أَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ بِالْعَقْدِ أَوْ مَا أَوْجَبَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ مِمَّا يَسُوغُ لَهُمَا أَنْ يُوجِبَاهُ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى؛ فَلَا الشَّارِعُ أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَبِيعٍ مُسْتَحِقٍّ التَّسْلِيمَ عَقِيبَ الْعَقْدِ، وَلَا الْعَاقِدَانِ الْتَزَمَا ذَلِكَ، بَلْ تَارَةً يَعْقِدَانِ الْعَقْدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَتَارَةً يَشْتَرِطَانِ التَّأْخِيرَ إمَّا فِي الثَّمَنِ وَإِمَّا فِي الْمُثَمَّنِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَمَصْلَحَةٌ فِي تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ لِلْمَبِيعِ، كَمَا كَانَ لِجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي تَأْخِيرِ تَسْلِيمِ بَعِيرِهِ إلَى الْمَدِينَةِ، فَكَيْفَ يَمْنَعُهُ الشَّارِعُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْآخِرَةِ فِيهَا؟ إذْ قَدْ رَضِيَ بِهَا كَمَا «رَضِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَابِرٍ بِتَأْخِيرِ تَسْلِيمِ الْبَعِيرِ» ، وَلَوْ لَمْ تَرِدْ السُّنَّةُ بِهَذَا لَكَانَ مَحْضُ الْقِيَاسِ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، وَيَجُوزُ لِكُلِّ بَائِعٍ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ مَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ مَالَهُ فِي غَرَضٍ صَحِيحٍ، كَمَا إذَا بَاعَ عَقَارًا وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهُ مُدَّةً أَوْ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى ظَهْرَهَا، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ، بَلْ لَوْ وَهَبَهُ وَاسْتَثْنَى نَفْعَهُ مُدَّةً، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَاسْتَثْنَى خِدْمَتَهُ مُدَّةً، أَوْ وَقَفَ عَيْنًا وَاسْتَثْنَى غَلَّتَهَا لِنَفْسِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ كَاتَبَ أَمَةً وَاسْتَثْنَى وَطْئَهَا مُدَّةَ الْكِتَابَةِ، وَنَحْوَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ، وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ يَقُولُ: إذَا اسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ الْمَبِيعِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَأْخُذُهَا لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ، بِنَاءً عَلَى هَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015