وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ، لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَمَلِ، وَشِدَّةِ
الْحَاجَةِ
إلَيْهَا، وَسُهُولَةِ خَطَرِهَا، وَلَا يَجُوزُ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ.
وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ - بَلْ يُسْتَحَبُّ أَوْ يَجِبُ - عِنْدَ الْحَاجَةِ وَأَهْلِيَّةِ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ، فَإِنْ عُدِمَ الْأَمْرَانِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ احْتَمَلَ الْجَوَازَ، وَالْمَنْعَ، وَالتَّفْصِيلَ، فَيَجُوزُ لِلْحَاجَةِ دُونَ عَدَمِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
فَصْلٌ:
وَلْنَخْتِمْ الْكِتَابَ بِذِكْرِ فُصُولٍ يَسِيرٍ قَدْرُهَا، عَظِيمٍ أَمْرُهَا، مِنْ فَتَاوَى إمَامِ الْمُفْتِينَ، وَرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، تَكُونُ رُوحًا لِهَذَا الْكِتَابِ، وَرَقْمًا عَلَى جُلَّةِ هَذَا التَّأْلِيفِ.
[فَتَاوَى فِي مَسَائِلَ مِنْ الْعَقِيدَةِ] فَصَحَّ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -، فَقَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ صَحْوًا فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا، فَقَالَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
«وَسُئِلَ: كَيْفَ نَرَاهُ وَنَحْنُ مِلْءُ الْأَرْضِ، وَهُوَ وَاحِدٌ؟ فَقَالَ أُنَبِّئُكُمْ عَنْ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ آيَةٌ مِنْهُ صَغِيرَةٌ تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا، وَلَعَمْرُ إلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَرَاكُمْ وَتَرَوْنَهُ» ذَكَرَهُ أَحْمَدُ.
وَصَحَّ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةِ الْقَدَرِ، وَمَا يَعْمَلُ النَّاسُ فِيهِ، أَمْرٌ قَدْ قُضِيَ وَفُرِغَ مِنْهُ أَمْ أَمْرٌ يُسْتَأْنَفُ؟ فَقَالَ بَلْ أَمْرٌ قَدْ قُضِيَ وَفُرِغَ مِنْهُ فَسُئِلَ حِينَئِذٍ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] إلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ» ، ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ.
وَصَحَّ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يَكْتُمُهُ النَّاسُ فِي ضَمَائِرِهِمْ، هَلْ يَعْلَمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ نَعَمْ» ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ.
وَصَحَّ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ: أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى السَّائِلِ، وَقَالَ: كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ» ذَكَرَهُ أَحْمَدُ.