بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» وَكَانَ شَيْخُنَا كَثِيرَ الدُّعَاءِ بِذَلِكَ، وَكَانَ إذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ يَقُولُ " يَا مُعَلِّمَ إبْرَاهِيمَ عَلِّمْنِي " وَيُكْثِرُ الِاسْتِعَانَةَ بِذَلِكَ اقْتِدَاءً بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ لِمَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ السَّكْسَكِيِّ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَقَدْ رَآهُ يَبْكِي، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَا كُنْتُ أُصِيبُهَا مِنْكَ، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أَتَعَلَّمُهُمَا مِنْكَ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانَهُمَا، مَنْ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا، اُطْلُبْ الْعِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ: عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَذَكَرَ الرَّابِعَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ هَؤُلَاءِ فَسَائِرُ أَهْلِ الْأَرْضِ عَنْهُ أَعْجَزُ، فَعَلَيْكَ بِمُعَلِّمِ إبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه.

وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ عِنْدَ الْإِفْتَاءِ: سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.

وَكَانَ مَكْحُولٌ يَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25] {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه: 26] {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه: 27] {يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 28] وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ وَفِّقْنِي وَاهْدِنِي وَسَدِّدْنِي وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ الصَّوَابِ وَالثَّوَابِ وَأَعِذْنِي مِنْ الْخَطَأِ وَالْحِرْمَانِ.

وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَجَرَّبْنَا نَحْنُ ذَلِكَ فَرَأَيْنَاهُ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِصَابَةِ.

وَالْمُعَوِّلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ، وَخُلُوصِ الْقَصْدِ، وَصِدْقِ التَّوَجُّهِ فِي الِاسْتِمْدَادِ مِنْ الْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ مُعَلَّمِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ مَنْ صَدَقَ فِي التَّوَجُّهِ إلَيْهِ لِتَبْلِيغِ دِينِهِ وَإِرْشَادِ عَبِيدِهِ وَنَصِيحَتِهِمْ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ الْقَوْلِ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ، فَإِذَا صَدَقَتْ نِيَّتُهُ وَرَغْبَتُهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَعْدَمْ أَجْرًا إنْ فَاتَهُ أَجْرَانِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَقِيلَ لَهُ: رُبَّمَا اشْتَدَّ عَلَيْنَا الْأَمْرُ مِنْ جِهَتِكَ، فَلِمَنْ نَسْأَلُ بَعْدَكَ؟ فَقَالَ: سَلُوا عَبْدَ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقَ، فَإِنَّهُ أَهْلٌ أَنْ يُوَفَّقَ لِلصَّوَابِ.

وَاقْتَدَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اقْتَرِبُوا مِنْ أَفْوَاهِ الْمُطِيعِينَ وَاسْمَعُوا مِنْهُمْ مَا يَقُولُونَ؛ فَإِنَّهُمْ تُجْلَى لَهُمْ أُمُورٌ صَادِقَةٌ، وَذَلِكَ لِقُرْبِ قُلُوبِهِمْ مِنْ اللَّهِ، وَكُلَّمَا قَرُبَ الْقَلْبُ مِنْ اللَّهِ زَالَتْ عَنْهُ مُعَارَضَاتُ السُّوءِ، وَكَانَ نُورُ كَشْفِهِ لِلْحَقِّ أَتَمَّ وَأَقْوَى، وَكُلَّمَا بَعُدَ عَنْ اللَّهِ كَثُرَتْ عَلَيْهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015