جعل الله تعالى في عمره البركة، وقرن له بالسعد كل سكون وحركة. فلقد أحسن إلينا وجاد، وأنعم علينا فأجاد. فانتظم شملنا بإحسانهم الغمر واتسق. وانعطفت علينا مواهبهم الجزيلة عطف بيان ونسق. فأصبح -بحمد الله-ما رسمه خط الفيض في صفحات نفوسنا ممحوا براحة البسط والعافية، وأمست رسوم الاحتياج دارسة عافية. ولنرجع مع أخينا في الله -عز وجل-إلى الكلام الأول الذي هو المقصود وعليه العمل والمعول.
فنشهد الله لقد فاق نظم الحريري في رصفه ووصفه دركي؛ لاشتماله من جواهر العلوم على أعظمها خطرا، وانطوائه من رقوم الأدوات على أشرفها نظرا.
فلله دركم لقد بلغتم من الشعر الرائق اللائق بالمحل ما كان له أهلا! فلكم من الغارات على الأشعار ومبانيها، والفصول المستوحاة ومعانيها المحل الأعلى.
فمثلكم من برز في ميدان المسابقة بالرسائل، وهز خطّية الخط لالتئام المؤاخاة وسائل. ودل سائله على كنز الندى ومعدن الجدا فنجح دالّ وسائل. فالدال على الخير كفاعله. فلا خاب ببركة الله قصد لمنيله ونائله.
لأنت أجلّ أخ يعتقد … وأذكى أديب بهذا البلد
فرد مورد العين فيمن ورد … ودع كل من قام أو من قعد
ولا تلتفت غير من بابه (؟) … به العزّ يبلغه من قصد (?)
وكن حازما واختلس وافترس … فما الافتراس يخاف الأسد
ويعلم تعالى لمبادرتنا بالجواب على مكاتبكم آكد في النفس من اجتذاب النفس الذي به حياتها وقيامها، ومنه غذاؤها وقوامها. ولقد شرعنا فيه ساعة إراءته كراهية التكاسل عن التراسل، والتراخي عن القيام بحق التواخي فاقتضبناه في غاية الاستعجال، واختصرناه كراهية التطوال. وانتقينا درره من اللغة الفصيحة استثقال الأجنبية. ونزهناه عن المعاني الغامضة واللغات الوحشية، اقتفاء لآثار الفصحاء من الأوائل والأواخر. واقتداء بما أشار إليه الشاعر: