اعلام القران (صفحة 52)

ذكر يوم الجمعة وما جاء فيها

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فهذا بحمد الله وتوفيقه اللقاء الثالث حول أعلام القرآن.

وقد سبق التأكيد على أن هذه اللقاءات تعنى بأعلام قرآنيه ذكرها الله جل وعلا في كتابه إما مدحاً وإما ذماً، ونعرج عليها إلماماً تاريخياً ومعرفياً قدر المستطاع ولا نطيل في أي من تلكم الأعلام؛ لأن الأعلام كثيرة ونحاول قدر الإمكان أن نأتي على أكثر الأعلام التي أوردها الله جل وعلا في كتابه، وقد مر معنا ذكر جبريل عليه السلام، والكوثر، ويوم الفرقان، وقارون، وفرعون، وهامان، وعرفات والمشعر الحرام، وغيرها من الأعلام التي تكلمنا عنها لماماً وسراعاً ما أمكن إلى ذلك سبيلا.

قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9].

فيوم الجمعة علم على يوم كان يسمى قبل الإسلام بيوم العروبة، ثم سمي في الإسلام بيوم الجمعة بنص القرآن كما في السورة التي سميت بهذه الآية، وهي سورة الجمعة.

أول جمعة أقيمت في الإسلام أقامها أسعد بن زرارة وكنيته أبو أمامة رضي الله عنه وأرضاه، أقامها قبل وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بفترة، حيث جمع أسعد بن زرارة رضي الله عنه وأرضاه المسلمين وصلى بهم صلاة الجمعة، وأقام لهم غداء.

فكان حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه وأرضاه ممن حضر تلك الجمعة، فلما كبر حسان كان ابنه عبد الرحمن هو الذي يقوده؛ لأنه كان قد عمي في آخر عمره، فكان حسان إذا دخل المسجد ومعه ابنه يقوده وأذن لصلاة الجمعة بين يدي الإمام يترحم حسان على أبي أمامة ويقول: اللهم صل على أبي أمامة، اللهم اغفر له.

ويدعو له، فيسمعه ابنه عبد الرحمن ويتعجب.

ثم تكرر هذا الموقف مراراً من حسان، فقال عبد الرحمن رضي الله عنه في نفسه: إن هذا بي لعجز، يعني: ما الذي يمنعني أن أسأل أبي لماذا يترحم على أبي أمامة كلما أذن لصلاة الجمعة؟ فسأله فقال: يا بني! إن أول من صلى بنا الجمعة هو أبو أمامة رضي الله عنه وأرضاه.

قلنا: كان يسمى هذا اليوم في الجاهلية يوم العروبة، والله جل وعلا أنبأ الأمم التي قبلنا أن هناك يوماً عظيماً مفضلاً عنده جل جلاله، فالأمم سعت في معرفة ذلك اليوم، فزعمت اليهود أنه السبت، فهم إلى اليوم يعظمون يوم السبت، وذهبت النصارى إلى أنه يوم الأحد، فاليهود أخذوها على أنهم يرون أن الله انتهى من خلقه يوم الجمعة واستراح يوم السبت -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- والنصارى تزعم أن الأحد أول أيام الأسبوع، فلذلك ترى أنه هو اليوم الذي اختاره الله واصطفاه، قال صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا)، أي: أعطوا الكتاب من قبلنا، وضلوا عن هذين اليومين، فنحن وإن تأخرنا ظهوراً إلا أننا أعلم بهذا اليوم منهم لما علمه الله رسوله صلى الله عليه وسلم.

المشهور عند أهل العلم أن أول جمعة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعد خروجه من قباء إلى المدينة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام نزل قباء في أول الأمر، فالمشهور المنقول عن ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة في المسجد المعروف اليوم بمسجد الجمعة، لكن لا يوجد دليل صريح فيما نعلم يدل على هذا، وهذا هو المشهور المستفيض.

قال النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعة: (فيه خلق آدم) ولهذا قال العلماء: إنه سمي يوم الجمعة؛ لأنه جمع فيه خلق آدم (وفيه تقوم الساعة)، أي: يوم الجمعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015