والذي دخل ببني إسرائيل الأرض المقدسة هو يوشع بن نون حيث بدأ حربه يوم الأحد وانتهى مساء الجمعة، واليهود تجعل يوم عيدها يوم السبت، ففي مساء الجمعة خاف أن الشمس تغيب قبل أن ينتهي من حربه فقال لها كما في الخبر الصحيح: (إنك مأمورة وإنني مأمور، اللهم احبسها عليّ) فبقيت الشمس وتأخر غروبها حتى فتح يوشع بن نون البلدة.
بعد ذلك دخلت في ولاية المسلمين في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم تكن أرض المقدس عندما دخلها عمر بيد اليهود إنما كانت بيد النصارى، وكانوا هم المسيطرين عليها والحاكمين لها.
دخلها عمر بعد أن اشترط البطريق الذي كان يفاوض أبا عبيدة ألا يدخلها أحد قبل عمر، فخرج عمر على بعير له ومعه غلام له يتناوبان الطريق، كان عمر يركب حيناً ويركب غلامه حينا آخر حتى وصلوا إلى بيت المقدس، ووافقت النوبة بينهما أن يركب الغلام ولا يركب أمير المؤمنين، وكانا على أرض مخاضة -يعني: فيها طين- فنزل عمر وركب الغلام، وعمر يقود البعير وهو حامل نعليه حتى لا تتسخان بالطين، والنصارى على الشرفات والدور يرون أمير المؤمنين الذي تأتمر الجيوش -التي كانت تحاصر البلدة- بأمره وهو في المدينة، فلما قدم إليهم ظنوه سيأتي في موكب مهيب، فأتاهم ببعير له عليها غلامه، وهو يقود البعير ويرفع نعليه حتى لا تتسخان في الطين؛ فكانت هيبة عمر عند النصارى أعظم من هيبته لو جاءهم على آرائك أو جاءهم على مراكب غير ذلك.
هذا يفهم منه أن قول الله جل وعلا: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} [الإسراء:5] لا ينطبق على عمر؛ لأن عمر دخلها سلماً، وفي بعض القصائد التي يقولها الإخوة الفلسطينيون يقولون: في القدس قد نطق الحجر أنا لا أريد سوى عمر رداً على الصلح، وهذا لا يرد على الصلح، بل يجعل المسألة أعظم تعقيداً؛ لأن عمر لم يدخلها حرباً.
وفهم التاريخ يعينك على التصرف في الأحداث، فقد احتلها الصليبيون في الحملة الصليبية الأولى عام (492) هجرية، ومكثوا فيها إلى عام (583هـ)، ودخلها صلاح الدين ليلة 27 رجب، وقد كان مشهوراً عند العلماء قديماً أن ليلة 27 رجب هي ليلة الإسراء والمعراج عند العلماء، فتأكد عند الناس بهذا الحدث أن ليلة 27 من شهر رجب هي ليلة الإسراء والمعراج، رغم أن هذا لم يثبت بسند صحيح فيما نعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن أحياناً تأتي أحداث تاريخية تؤكد أشياء موجودة في أذهان الناس.
دخلها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى فاتحاً محرراً لها من أيدي الصليبين، فالصليبيون الذين دخلوا بيت المقدس أذلوا المسلمين وأذلوا اليهود؛ لأن الصراع ما بين اليهودية والنصرانية صراع قديم، قال الله جل وعلا: {وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} [البقرة:145] ولئن توافقت مصالحهم في بعض العصور إلا أنها تبقى العداوة أزلية لا يمكن جمعها.
بعد ذلك حدثت أحداث تاريخية شهيرة ليس هذا موطنها.