ثم ذكر الصلاة فقال: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان:17].
ثم بين الأشياء التي تتعلق بأدب المعاملة، فقال: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18].
ثم ذكر أموراً تخصه فقال: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19].
وهذه نقف عندها، وذلك أنه ينتشر في المجلات الإسلامية سؤال يُسأل به الطلاب في المراكز الصيفية وفي غيرها: ما الشيء الذي خلقه الله ثم أنكره؟ ثم يجعلون
صلى الله عليه وسلم صوت الحمار، وهذا غير صحيح؛ لأن معنى أن الله خلقه ثم أنكره أن الله يقول إنه لم يخلقه، وهذا محال لأن كل شيء مخلوق، والصواب أن يقال: ما الشيء الذي خلقه الله ووصفه بأنه منكر؟ وكلمة (إن أنكر الأصوات) ليست من المنكر الذي هو ضد المعروف، وإنما هو ضد الشيء المألوف، يعني: أنه مستوحش، مثال ذلك أن موسى عليه السلام قال للخضر: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف:74] أي غير مقبول، وقال الله جل وعلا على لسان ذي القرنين: {فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} [الكهف:87] أي: تستوحش منه النفوس، لا أنه ضد المعروف، فالذي ضد المعروف هو الأمر الحرام غير الجائز، أما النكر فهو غير المألوف الذي تستوحشه النفوس ولا تألفه الطباع، هذا هو المراد من هذه الآية الكريمة.
هذا ما يتعلق بهذا العبد الصالح، ومن هنا تفهم أن أفضال الله جل وعلا ليست مقصورة على أحد، فليست وقفاً على أنبيائه ورسله، إنما هي فضل عام يعطيه الله جل وعلا من شاء متى شاء في كل عصر أو مصر.
أما النبوة فقد انتهت، قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] وتبقى أفضال الله جل وعلا على العباد بعطاياه تبارك وتعالى العلمية والمالية وغير ذلك، وأفضال الله لا تعد ولا تحصى؛ لكن لا يوجد وحي يخبرنا ببعض من تفضل الله جل وعلا عليهم.