وردت عرفات في الشعر العربي، وممن وردت في شعره عرفات قصيده لـ دعبل الخزاعي، ودعبل هذا كان شيعياً يتشيع لآل البيت، وله تائية مشهورة جداً قالها في مدح آل البيت، وهي التي بدأها: ذكرت محل الربع من عرفات والتي فيها: ديار علي والحسين وجعفر وحمزة والسجاد ذي الثفنات بنات زياد في القصور مصونة وآل رسول الله في الفلوات أرى فيئهم في غيرهم متقسماً وأيديهم من فيئهم صفرات قصيدة طويلة أعطاه أحد آل البيت حلة لباس -يعني عباءة يلبسها- فلما دخل بغداد اقتتل الناس على الحلة التي يلبسها ثم مزقت ولم يبق له منها أي شيء افتتاناً بتلك العباءة؛ فالقوم منذ قديم الزمان العقل فيهم خفيف، والتقرب إلى الله يكون بما شرع الله وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم.
وآل البيت ظلموا وهذا لا ينكره عاقل.
وقد كنت يوماً في الرياض وجلست مع الشيخ: محمد بن حسن آل الشيخ -وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء وجده الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقال الشيخ في المجلس مقالة لطيفة في قضية علي ومعاوية: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى عليه الذي يقول بأنه وهابي كان له بنت اسمها فاطمة وله أبناء أسماؤهم علي والحسن والحسين يرد على من يتهموه؛ لأن الرجل غفر الله له ورحمه إنما كان إماماً مجدداً على هدي قويم وعلى سنة مستقيمة، ابنته فاطمة هذه كانت طالبة علم مثل أبيها فجلست تحدث النساء وسألوها عن علي ومعاوية فأجابت جواباً علمياً، والحضور من بادية عاميات حيث لا يوجد في تلك الأيام مدارس، إحدى النساء ذهبت إلى بيتها وسألها أبوها: ماذا قالت بنت الشيخ عن علي ومعاوية؟ قالت: والله إن الحق مع علي ويشرهون على معاوية.
وكلمة: يشرهون على معاوية معناها: يعاتبون، والمعاتبة تكون للحبيب، والشخص الذي تحبه تشره عليه أي: تعاتبه، أما الذي لا تتوقع منه خيراً ولا تحبه فلا تشره عليه ولا تعاتبه، فـ فاطمة رحمة الله عليها شرحتها شرحاً علمياً، وفهم الناس أن معاوية وعلي كلاهما حبيب، وأن علياً الحق معه، وأن معاوية ارتكب بعض الأخطاء، لكنه صحابي جليل.
هذا الذي قالته الابنة الفاضلة، وهذه المرأة العامية فهمتها فهماً صحيحاً، لكن لما ترجمتها ترجمتها بلغتها هي، ففهموا منها الناس أنه ليس هناك بغضاً لـ معاوية رضي الله عنه وأرضاه، وإنما بياناً للحق بطريقة معينة.
المقصود أن عرفات ذكرها الشعراء في شعرهم وذكرها شوقي في قصيدة طويلة قال: إلى عرفات الله يا خير زائر المهم أنها مكان عظيم، ومجمع عرفات من أعظم مجامع الدنيا، وهو مظنة الإجابة، فمن قدر له أن يحج إلى البيت فلا يتردد.
المقصود أن الحج عبادة عظيمة وعرفات ركن الحج الأعظم، والموقف فيها من أعظم مواقف الدنيا، والنبي صلى الله عليه وسلم حث أمته على كثرة الدعاء فيها، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم غير صائم في يوم عرفة حتى يتمكن من عبادة الله، ووقف صلى الله عليه وسلم يدعو ويرفع يديه حتى غاب قرص الشمس تماماً، ثم أردف أسامه بن زيد وتوجه إلى مزدلفة وفي كل من عرفات ومزدلفة تجمع الصلاة، إلا أن الصلاة في عرفات تجمع جمع تقديم؛ ليتفرغ الناس للدعاء وتجمع في مزدلفة جمع تأخير؛ ليتفرغ الناس في النفرة، يعني: في الطريق، ثم بعد ذلك يستريح الناس وينامون حتى يستعدوا ليوم النحر، والذي سماه الله جل وعلا يوم الحج الأكبر.