ونرى استيفاء لهذا البحث الهام أن نعرض لهذا الموضوع بشيء من التفصيل لعلاقته التامة بالمنهج الذي جرينا عليه في هذا الكتاب فالواقع أن القرآن شغل طوائف كثيرة من الناس فترة من الزمن، شغل به أهل الإيمان، وتتبعه أهل الكفر كلّ من ناحية اهتمامه، وأول ما بدأت دراسات القرآن وتفسيره زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم ففي عهده نرى أعرابيا يسأله في معنى بعض ألفاظ القرآن في مثل قوله تعالى «ولم يلبسوا إيمانهم بظلم» قائلا: وأيّنا لم يظلم نفسه؟ وفسّره النبي صلّى الله عليه وسلم بالشرك واستشهد عليه بقوله تعالى: «إن الشرك لظلم عظيم» وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلم في كتب الحديث كالبخاري ومسلم وغيرها كثير من الأحاديث التي تتعلق بتفسير القرآن وبعضها ينحصر في ذكر فضائله وتفسير بعض آياته تفسيرا مختصرا يبيّن وجه التشريع أو الموعظة في الآية وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة اقرءوا إن شئتم: فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا» على أنه قد لا يوضع موضع الاعتبار كل ما جاء من الحديث في التفسير، فأحمد بن حنبل- في القرن الثالث الهجري- يقول: ثلاثة أشياء لا أصل لها: التفسير والملاحم والمغازي، ولعلّه يقصد بالتفسير الذي خلط فيه الناس بين الصحيح وغير الصحيح من الحديث مما كان مدار أخذ وردّ وقول كثيرين في عصره.
على أن الصحابة وقفوا في صدر الإسلام موقفين: متحرّج من القول في القرآن ومن هؤلاء أبو بكر وعمر وعبد الله بن عمر وغيرهم وكان عبد الله يأخذ على ابن عباس تفسيره القرآن بالشعر والقسم الثاني الذين لم يتحرّجوا وفسّروا القرآن حسب ما فهموا من الرسول أو حسب