أراد، وهو أعلم، أن يصف هؤلاء الملائكة بالوصف الأعلى فلو اقتصر عزّ وجلّ على قوله لا يعصون احتمل أن يوصل بقولك ولا يطيعون فلا يوفي ذلك بالمعنى المراد فإن المراد وصفهم بأعلى الأوصاف فوجب أن يقول ويفعلون فتكمل الوصف والله أعلم» .
وأورد الزمخشري هذا الإشكال وأجاب عنه بما يلي: «فإن قلت أليست الجملتان في معنى واحد؟ قلت: لا فإن معنى الأولى يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها ومعنى الثانية أنهم يؤدّون ما يؤمرون، به ولا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه، فإن قلت قد خاطب الله المشركين المكذبين بالوحي بهذا بعينه في قوله تعالى: فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، وقال: أعدّت للكافرين فجعلها معدّة للكافرين فما معنى مخاطبته به المؤمنين؟ قلت:
الفسّاق وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفّار فإنهم مساكنون للكفّار في دار واحدة فقيل للذين آمنوا قوا أنفسكم باجتناب الفسوق مساكنة الكفّار الذين أعدّت لهم هذه النار الموصوفة، ويجوز أن يأمرهم بالتوقّي من الارتداد والندم على الدخول في الإسلام.
وتعقبه ابن المنير المالكي في كتابه الانتصاف فقال: «جوابه الأول مفرع على قاعدته الفاسدة في اعتقاد خلود الفسّاق في جهنم ولعلّه إنما أورد السؤال ليتكلف عنه بجواب ينفّس عمّا في نفسه مما لا يطيق كتمانه من هذا الباطل» .
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12)