3- وفي قوله «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام» فن طريف وهو فن الافتنان، وحدّه أن يفتن المتكلم فيأتي في كلامه بفنين إما متضادين أو مختلفين أو متفقين، وقد جمع سبحانه بين التعزية والفخر إذ عزى جميع المخلوقات وتمدح بالانفراد بالبقاء بعد فناء الموجودات مع وصفه ذاته بعد انفراده بالبقاء بالجلال والإكرام، ومن أمثلته في الشعر الجمع بين الغزل والحماسة، والغزل لين ورقّة والحماسة شدّة وقوة، كقول أبي دلف أو عبد الله بن طاهر على اختلاف بين المؤرخين:
أحبك يا ظلوم وأنت عندي ... مكان الروح من جسد الجبان
ولو أني أقول مكان روحي ... خشيت عليك بادرة الطعان
فقد جمع بين الغزل والحماسة بأرشق عبارة وأبلغ إشارة، وقد بلغ عنترة فيه الذروة حين قال:
إن تغدفي دوني القناع فإنني ... طب يأخذ الفارس المستلئم
فقد وصف عبلة بستر وجهها دونه بالقناع حتى صار ما بين بصره ووجهها كالليل المغدف الذي يحول بين الأبصار والمبصرات، ثم قال:
إنني طب بأخذ الفارس المستلئم، أي إن تتبرقعي دوني فإني خبير لدريتي بالحرب بأخذ الفارس الذي سترته لأمته وحالت دوني ودون مقابلته، فأبرز الجدّ في صورة الهزل وجاء في بيته مع الافتنان التندير الطريف، والتعبير عن المعنى باللفظ الشريف.
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (32) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (33) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (35)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40)
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45)