2- وفي هذه الآية أيضا من التنكيت وهو أن يقصد المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره مما يسدّ مسدّه لأجل نكتة في المذكور ترجح مجيئه على سواه، فإن لقائل أن يقول لأي نكتة عدل عن لفظ الحقيقة فلم يقل: ومن يعرض عن ذكر الرحمن فاستعار لفظة العشا للضلال فنقول: النكتة في ذلك أن لفظ الاستعارة موفّ بالمعنى المراد بخلاف لفظ الحقيقة فإن الإعراض إعراضان: إعراض يرجى بعده الإقبال لأن المعرض متمكّن من الإقبال وذلك إعراض المؤمن المعتقد أحسن معتقد فيعرض له من الملاذّ التي تستغرق فكره وتشغل قلبه وعقله شغلا بتلك اللذة أو ضدها أو غيرها من أمور الدنيا فيعرض عن الذكر في تلك الحالة فمصاحبة الشيطان لذلك غير دائمة لأنه يمكن أن يؤوب إلى الله سبحانه ويتوب عن ذلك فيقبل على ما كان أعرض عنه من الذكر الذي عرف قديما طريقه واهتدى إلى سبيله وربي عليه أو لأجل عناية إلهية اقتضتها سابقة أزلية تجذبه إليه وإعراض ضلال عن طريق الرشد وسبيل الخير حتى لو قدّرنا أنه أراد الإقبال على الخير لمنعته منه سابقة الضلال والشقوة التي غلبت عليه، والمراد بالإعراض في الآية إعراض الضلال لا إعراض الغفلة فلا جرم أنه حسن استعارة العشا للضلال فيها وهذا المعرض هو الذي يقيض له مقارنة الشيطان أين كان وحيث كان وبذلك يتبين موضع النكتة التي رجّحت العدول عن لفظ الحقيقة إلى لفظ الاستعارة.
3- التغليب: وفي قوله: «بعد المشرقين» فن التغليب وهو شائع في كلامهم يغلبون الشيء على ما لغيره وذلك بأن يطلق اسمه على الآخر ويثنى بهذا الاعتبار لتناسب بينهما واختلاط فمثال التغليب للتناسب قولهم الأبوين للأب والأم ومنه قوله تعالى «ولأبويه لكل واحد منهما السدس» والمشرقين والمغربين والخافقين وهو محل الخفوق أي