في قوله تعالى «أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم» الآية، فن المناسبة. والمناسبة قسمان: إما مناسبة في المعاني وإما مناسبة في الألفاظ أما الأولى فهي أن يبتدىء المتكلم بمعنى ثم يتمم كلامه بما يناسبه معنى دون لفظ وقد مرت أمثلته في الأنعام والقصص وهذه الآية، فقد قال تعالى في صدرها أولم يهد لهم وهي موعظة سمعية لكونهم لم ينظروا الى القرون الهالكة وإنما سمعوا بها فناسب أن يأتي بعدها بقوله «أفلا يسمعون» أما بعد الموعظة المرئية وهي قوله «أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز» فقد ناسب أن يقول «أفلا يبصرون» لأن الزرع مرئي لا مسموع ليناسب آخر كل كلام أوله، وأما المناسبة اللفظية فهي الإتيان بألفاظ متزنات مقفاة وغير مقفاة، فالمقفاة مع الاتزان مناسبة تامة وغير المقفاة مع الاتزان مناسبة ناقصة وشيوع هذه في الكلام الفصيح أكثر لعدم التكلف ولأن التقفية غير لازمة فيها فإن وقعت مندرجة في الكلام من غير تكلف ساغت وكانت آية في الجمال وستأتي أمثلتها في القرآن الكريم وسبق مثالها في قوله في يونس: «لهم شراب من حميم وعذاب أليم» ومن شواهد التامة في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه من الدعاء مما كان يرقي به الحسن والحسين «أعيذ كما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامّة» ولم يقل ملمة وهي القياس لمكان المناسبة، ومما ورد من المناسبة اللفظية التامة قول ابن هانىء الأندلسي من أبيات:
وعوانس وقوانس وفوارس ... وكوانس وأوانس وعقائل