حفاة عراة وهيئة أجسامهم رثة بالية تضطرب لرداءتها وقذارتها فكأن جسمه جلدة مثل الهيكل فقط يضطرب ويتحرك ولا تستدل عليه إلا بقعقعة خفيفة وأحسب أبا الطيب رمق سماء هذا المعنى حين قال واصفا نحو له:
كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
وانظر بعد ذلك الى أسمى مطلب يجنح اليه العقلاء: «تخلي سبيلي فأعبد ربي» وهذا بمثابة مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لكل انسان ليجود بماله في مشروعات الخير وليثق بالله الرزاق المنفق المخلف، وليتحلى بشيم السخاء والعطاء، وما أجمل قول أبي فراس الحمداني وقد تضمن هذه المعاني السامية كلها كما صور الفتوة أجمل تصوير:
غيري يغيره الفعال الجافي ... ويحول عن شيم الكريم الوافي
إن الغنيّ هو الغنيّ بنفسه ... ولو انه عاري المناكب حاف
ما كل ما فوق البسيطة كافيا ... وإذا قنعت فكل شيء كاف
وتعاف لي طمع الحريص فتوتي ... ومروءتي وقناعتي وعفافي