زيادتهم خشوعا كلما قرءوا وكلما سجدوا فاستوفى بذلك سائر أحوالهم وهم الكملة الذين أوتوا العلم ومما لا بد من التنويه انه أتى بالحال الأولى اسما وهي قوله سجدا للدلالة على الاستمرار وأتى بالحال الثانية فعلا للدلالة على التجدد والحدوث فكأنما بكاؤهم يتجدد بتجدد الأحوال الطارئة والعظات المتتالية وهذا موضع من التكرير مشكل وتدق معرفته على الأغمار ومما ورد منه حديث حاطب بن بلتعة في غزوة الفتح وذاك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علي بن أبي طالب والزبير والمقداد رضي الله عنهم فقال: اذهبوا الى روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فأتوني به، قال علي رضي الله عنه: فخرجنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة وإذا فيها الظعينة فأخذنا الكتاب من عقاصها وأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا هو من حاطب بن بلتعة إلى ناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما هذا يا حاطب؟ فقال: يا رسول الله لا تعجل عليّ إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون بها أموالهم وأهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ عندهم بدا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انه قد صدقكم» . فقوله: ما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام من التكرير الحسن يظنه بعض الجهال تكريرا لا فائدة فبه، فإن الكفر والارتداد عن الدين سواء وكذلك الرضا بالكفر بعد الإسلام وليس كذلك والذي يدل عليه اللفظ هو اني لم أفعل ذلك وأنا كافر: أي باق على الكفر ولا مرتدا: أي اني كفرت بعد إسلامي، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام:
أي ولا إيثارا لجانب الكفار على جانب المسلمين وهذا حسن حسن