فلم يقل الظالمين وعدل عن ذلك الى قوله «الذين ظلموا» لما يحتمل الاول من استمرار الظلم الذي لا يلائم المساس ولا تحصل به المبالغة التي تحصل من لفظ الثاني من وقوع الظلم على سبيل الندور ليلائم المعنى معنى الركون ومعنى المساس وتحصل المبالغة الحقة لأنه سبحانه إذا نهى عن الركون الى من استمر منه الظلم بطريق أولى وإذا نهى عن الركون إلى الظالم كان النهي عن فعل الظلم أحرى.
ونثبت هنا بهذه المناسبة كتاب آية في البلاغة وهو يتناسب مع المقام: لما خالط الزهري السلاطين كتب اليه أخ في الدين: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك، أصبحت شيخا كبيرا وقد أثقلتك نعم الله بما فهمك الله من كتابه وعلمك من سنة نبيه وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء، قال سبحانه: «لتبيننه للناس ولا تكتمونه» واعلم أن أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت انك آنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي، بدنوك ممن لم يؤد حقا، ولم يترك باطلا حين أدناك، اتخذوك قطبا تدور عليه رحى باطلهم، وجسرا يعبرون عليك الى بلائهم، وسلما يصعدون فيك الى ضلالهم، يدخلون الشك بك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خرّبوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا عليك من دينك، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم: «فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا» فانك تعامل من لا يجهل ويحفظ عليك من لا يغفل، فدا ودينك فقد دخله سقم،