الذين أنعمت عليهم» فأصرح الخطاب لما ذكر النّعمة ثم قال: غير المغضوب عليهم فزوى لفظ الغضب عنه تحنّنا ولطفا وهذا غاية ما يصل اليه البيان، وهذه مراتب الالتفات في هذه السورة:
آ- عدل عن الغيبة الى الخطاب بقوله: إياك نعبد وإياك نستعين بعد قوله: الحمد لله رب العالمين لأن الحمد دون العبادة في المرتبة ألا تراك تحسد نظيرك ولا تعبده فلما كانت الحال بهذه المثابة استعمل لفظ الحمد لتوسطه مع الغيبة في الخبر ولم يقل الحمد لك.
ب- ولما صار الى العبادة وهي قصارى الطاعات قال: «إياك نعبد وإياك نستعين» فخاطب بالعبادة إصراحا بها، وتقرّبا منه عزّ وجلّ بالانتهاء الى عدد محدود منها.
ح- وعلى نحو من ذلك جاء آخر السّورة فقال: «صراط الذين أنعمت عليهم» فأصرح الخطاب لما ذكر النعمة ثم قال: «غير المغضوب عليهم عطفا على الأول، لأن الأول موضع التقرّب من الله بذكر نعمه وآلائه فلما صار إلى ذكر الغضب جاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب فأسند إليه النعمة لفظا وزوى عنه لفظ الغضب تحنّنا ولطفا.
د- وأتى بنون الجمع في قوله: «نعبد» و «نستعين» والمتكلم واحد لأنه ورد في الشّريعة أنه من باع أجناسا مختلفة صفقة واحدة ثم ظهر للمشتري في بعضها عيب فهو مخيّر بين ردّ الجميع أو إمساكه وليس له تبعيض الصّفقة، بردّ المعيب وإبقاء السّليم، وهنا لما رأى العابد أن عبادته ناقصة معيبة لم يعرضها على الله مفردة بل جنح الى ضمّ عبادة جميع العابدين إليها وعرض الجميع صفقة كاملة راجيا قبول عبادته في ضمنها لأنّ الجميع لا يردّ البتّة، إذ بعضه مقبول