الفراء (?) : كما تقول نداؤه هذه الكلمة وقدّره غيره بمعنى وقيله يا ربّ ويقال: قال قولا وقيلا وقالا بمعنى واحد. والقراءة البينة بالنصب من جهتين: إحداهما: أن المعطوف على المنصوب يحسن أن يفرق بينهما وإن تباعد ذلك لانفصال العامل من المعمول فيه مع المنصوب وذلك في المخفوض إذا فرّقت بينهما قبيح، والجهة الأخرى أنّ أهل التأويل يفسرون الآية على معنى النصب، كما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ قال: فأخبر الله جلّ وعزّ عن محمد صلّى الله عليه وسلّم، وروى معمر عن قتادة و «قيله يا رب» قال: قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون، فالهاء في «وقيله» على هذا عائدة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد قيل: إن الهاء راجعة إلى قوله: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا [الزخرف: 57] أي ويسمع قول عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم لمّا يئس من صلاح قومه وإيمانهم إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ والأولى بالصواب القول الأول أن تكون الهاء عائدة على نبينا صلّى الله عليه وسلّم لجهتين: إحداهما أنّ ذكره أقرب إلى المضمر لأن المعنى: قل يا محمد إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين. والجهة الأخرى أن الذي بعده مخاطبة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإجماع وهو فَاصْفَحْ عَنْهُمْ أي أعرض عنهم وَقُلْ سَلامٌ أي مسالمة ومتاركة. والتقدير في العربية أمري سلام. زعم الفراء (?) أنّ التقدير سلام عليكم ثم حذف. وهذا خلاف ما قال المتقدمون، وقد ذكر مثل هذا سيبويه، وقال: نزل بمكة من قبل أن يؤمروا بالسلام، وأيضا فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد نهى أن يبدأ اليهود والنصارى بالسلام، وحظر على المسلمين فصحّ أن معنى وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [الفرقان: 63] أنه ليس من التسليم في شيء، وإنما هو من المتاركة والتسليم. وكذا فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فسوف تعلمون قراءة المدنيين (?) ، وهو على هذا من كلام واحد وقراءة ابن كثير والكوفيين والبصريين فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ بالياء على أنه قد تمّ الكلام عند وَقُلْ سَلامٌ. والمعنى فسوف يعلمون العقوبة على التهديد.