كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذا لا يستوي الطائع والعاصي. وقال غيره: الذين يعلمون هم الذي ينتفعون بعلمهم ويعملون به، فأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فبمنزلة من لم يعلم. إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ أي إنما ينتفع بذكره وينتفع به ويعتبر أولو العقول الذين ينتفعون بعقولهم فهؤلاء ينتفعون ويمدحون بعقولهم لأنهم انتفعوا بها.
قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)
قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ قيل معناه اتّقوا معاصيه والتاء مبدلة من واو.
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ يجوز أن يكون في الدنيا داخلا في الصلة أي لهم حسنة في الآخرة وإن لم يكن داخلا في الصلة فالمعنى للذين أحسنوا حسنة في الدنيا.
فالحسنة التي لهم في هذه الدنيا موالاة الله جلّ وعزّ إيّاهم وثناؤه عليهم وتسميته إياهم بالأسماء الحسنة. وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ في معناه قولان: أحدهما أنه يراد بها أرض الجنة، والآخر أن معناه أن أرض الله واسعة فهاجروا فيها ولا تقيموا مع من يعمل بالمعاصي.
إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ صابر يمدح به، إنّما هو لمن صبر عن المعاصي، فإن أردت أنه صابر على المعصية قلت صابر على كذا. بِغَيْرِ حِسابٍ قيل: بغير تقدير، وقيل: يراد على الثواب، لأنه لو أعطي بقدر ما عمل لكان بحساب، وقيل معنى «بغير حساب» بغير متابعة ولا مطالبة كما تقع المطالبة بنعم الدنيا.
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14)
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ نصب بأعبد، وسيبويه يجيز الرفع على حذف الهاء، ولا نعلم أحدا من النحويين وافقه على ذلك في الاسم العلم.
[سورة الزمر (39) : آية 15]
فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15)
الَّذِينَ في موضع رفع على خبر إِنَّ وأَهْلِيهِمْ في موضع نصب معطوفون على أنفسهم وعلامة النصب الياء. وقال ميمون بن مهران عن ابن عباس: ليس من أحد إلّا وقد خلق الله جلّ وعزّ له زوجة في الجنة فإذا دخل النار خسر نفسه وأهله.
[سورة الزمر (39) : آية 16]
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16)
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ الواحدة ظلّة وهو ما ارتفع فوقهم من النار وثبت.
وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ مجاز أي مثل ذلك من تحتهم، وقيل: هو حقيقة أي من تحتهم ظلل