361-
يا دار غيّرها البلى تغييرا «1»
قال أبو جعفر: في هذا بطلان باب النداء أو أكثره لأنه يرفع النكرة المحضة ويرفع ما هو منزلة المضاف في طوله ويحذف التنوين متوسطا ويرفع ما هو في المعنى مفعول بغير علة أوجبت ذلك. فأما ما حكاه عن العرب فلا يشبه ما أجازه، لأن تقدير:
يا مهتمّ بأمرنا لا تهتمّ، على التقديم والتأخير، والمعنى: يا أيّها المهتم لا تهتمّ بأمرنا.
وتقدير البيت: يا أيّها الدار، ثم حوّل المخاطبة أي يا هؤلاء غير هذه الدار البلى، كما قال جلّ وعزّ: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ [يونس: 22] . وكان أبو إسحاق يقول: بأن قوله جلّ وعزّ: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ من أصعب ما في القرآن من المسائل، وإنما قال هذا لأن السؤال فيه أن يقال: ما الفائدة في نداء الحسرة؟ قال أبو جعفر: وقد شرح هذا سيبويه بأحسن شرح، ومذهبه أن المعنى إذا قيل: يا عجباه فمعناه يا عجب هذا من أبانك، ومن أوقاتك التي يجب أن تحضرها والمعنى على قوله إنه يجب أن تحضر الحسرة لهم على أنفسهم لاستهزائهم بالرسل، وفي معنى الآية قول غريب إسناده جيد رواه الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: لمّا رأى الكفار العذاب قالوا: يا حسرة على العباد، يعنون بالعباد الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إليهم تحسروا على فواتهم إن لم يحضروا حتى يؤمنوا. قال الله تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [الحجر: 11] .
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31)
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ قال الفراء «2» : «كم» في موضع نصب من وجهين: أحدهما بيروا، واستشهد على هذا القول بأنه في قراءة عبد الله بن مسعود الم يروا من أهلكنا، والوجه الآخر أن تكون «كم» في موضع نصب بأهلكنا. قال أبو جعفر: القول الأول محال لأن «كم» لا يعمل فيها ما قبلها لأنها استفهام، ومحال أن يدخل الاستفهام في حيّز ما قبله، وكذا حكمها إذا كانت خبرا، وإن كان سيبويه قد أومأ إلى بعض هذا فجعل «أنّهم» بدلا من «كم» ، وقد ردّ عليه محمد بن يزيد هذا أشدّ ردّ، وقال: «كم» في موضع نصب بأهلكنا «وأنّهم» في موضع نصب. والمعنى عنده:
بأنهم أي ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون بالاستئصال.