الشَّكُورُ مبتدأ وخبره. والشكور على التكثير لا غير، وشاكر يقع للقليل والكثير، والشكر لا يكون إلا في شيء بعينه، والحمد أعمّ منه.
فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14)
مِنْسَأَتَهُ «1» قراءة أهل المدينة وأبي عمرو، وقرأها الكوفيون بالهمز واشتقاقها يدلّ على أنها مهموزة لأنها مشتقة من نسأته أي أخّرته ودفعته فقيل لها: منسأة لأنه يدفع بها الشيء ويؤخّر. قال مجاهد وعكرمة: هي العصا فمن قرأ (منساته) أبدل من الهمزة ألفا، فإن قال قائل: الإبدال من الهمزة قبيح إنما يجوز في الشعر على بعد وشذوذ وأبو عمرو بن العلاء لا يغيب عنه مثل هذا ولا سيما وأهل المدينة على هذه القراءة فالجواب عن هذا أن العرب استعملت في هذه الكلمة البدل ونطقوا بها هكذا كما يقع البدل في غير هذا ولا يقاس عليه حتى قال أبو عمرو: ولست أدري ممّ هي؟
إلّا أنها غير مهموزة. وهذا كلام العلماء لأن ما كان مهموزا قد يترك همزة وما لم يكن مهموزا لم يجز همزه بوجه. فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ موته وقال غيره: المعنى: تبيّن أمر الجن مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82] وقيل: المعنى تبيّنت الجن للإنس: وفي التفسير بالأسانيد الصحاح تفسير المعنى، وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: أقام سليمان بن داود صلّى الله عليهما حولا لا يعلم بموته وهو متّكئ على عصاه والجنّ متصرّفة فيما كان أمرها به ثم سقط بعد حول. وقرأ ابن عباس فلما خرّ تبيّنت الإنس أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين «2» قال أبو جعفر: وهذه القراءة عن ابن عباس على سبيل التفسير. فأما. أَنْ فموضعها موضع رفع على البدل من الجن أي تبيّن أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب، وهذا بدل الاشتمال، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى اللام.
[سورة سبإ (34) : آية 15]
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ بالصرف والتنوين على أنه اسم للحيّ، وهو في الأصل اسم رجل جاء بذلك التوقيف عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقرأ أبو عمرو لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ «3» بغير صرف