عبيد فيه قول آخر وهو أنه أدغم النون في الجيم. وهذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين علمناه لبعد النون من الجيم، فلا تدغم فيها، ولا يجوز في مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ [الأنعام: 160] مجّاء بالحسنة. قال أبو جعفر: ولم أسمع في هذا أحسن من شيء سمعته من علي بن سليمان قال: الأصل ننجّي فحذف إحدى النونين لاجتماعهما، كما يحذف إحدى التاءين لاجتماعهما نحو قول الله جلّ وعزّ وَلا تَفَرَّقُوا [الأنعام: 103] الأصل تتفرقوا. والدليل على صحة ما قال أن عاصما يقرأ (نجّي) بإسكان الياء، ولو كان على ما تأوله من ذكرناه لكان مفتوحا.
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً على الحال. قال أبو إسحاق: أي إنّ هذه أمتكم في حال اجتماعها فإذا تفرّقت لم تدخل في ذلك. قال: ويجوز إنّ هذه أمتكم أمة واحدة، تجعل أمتكم بدلا من هذه، وفيه معنى التوكيد. قال أبو جعفر: وقرأ ابن أبي إسحاق وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً «1» «أمتكم» خبر إن «وأمة واحدة» خبر بعد خبر، وإن شئت على إضمار مبتدأ، وإن شئت على بدل النكرة من المعرفة.
[سورة الأنبياء (21) : آية 94]
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (94)
قال الكسائي: وفي حرف ابن مسعود فلا كفر لسعيه «2» وكفر وكفران وكفور بمعنى واحد.
[سورة الأنبياء (21) : آية 95]
وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95)
وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ قراءة زيد بن ثابت وأهل المدينة، وعن علي وابن مسعود وابن عباس وحرم على قرية «3» ، وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ وحرم على قرية «4» بفتح الحاء والميم وكسر الراء، وروي عنه بضمّ الراء وفتح الحاء والميم.
والآية مشكلة، وقد ذكرنا فيها أقوالا: فمن أحسن ما قيل فيه وأجلّه ما رواه ابن عيينة وابن عليّة وهشيم وابن إدريس ومحمد بن فضيل وسليمان بن حيّان ومعلّى عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رحمه الله في قوله جلّ وعزّ وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها قال: وجب أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ قال: لا يتوبون. قال أبو جعفر: واشتقاق هذا بيّن من اللغة. وشرحه أنّ معنى حرم الشيء حظر ومنع منه، كما أن معنى أحلّ