كان القرآن الكريم على الدوام دليل المسلمين وقبلتهم ومثابة اجتهادهم، لذلك ما انفكّوا يعكفون عليه حفظا ودرسا وتمثّلا، ولا ينون يصرفون جهدا كبيرا متّصلا لتبيان معانيه وأحكامه، وناسخه ومنسوخه، ووجوه قراءته، ودقائق بلاغته، وآيات إعجازه، وسوى ذلك من النواحي التي يشتمل عليها موضوع علوم القرآن ومباحثه القديمة المتجددة.
ومن المباحث الأساسية في هذا المجال إعراب القرآن، ألفاظا وجملا. ولا يخفى ما لهذا المبحث من أهمية كبرى في الكشف عن معاني القرآن للارتباط الوثيق القائم بين المعنى والمبنى في اللغة العربية أو بالأحرى بين اللفظ وإعرابه بحيث يتلوّن المعنى بتلوّن الإعراب. وقد قيل: الإعراب فرع المعنى. ولعل ما يميز اللغة العربية عن معظم اللغات الأخرى هو هذا الارتباط الوثيق بين المعنى والإعراب، وبهذا الترتيب:
فالنصّ العربي يفهم أولا، ثم يقرأ قراءة صحيحة أي معربة على الوجه الصحيح.
والقارئ مهما بلغ من التمكّن في علم النحو، لا يستطيع أن يقرأ نصّا عربيّا لأول وهلة وعلى النحو الصحيح إن لم يكن متمثلا المعنى المراد أولا، خصوصا عند ما تغيب علامات الإعراب أو الشكل. هذا بخلاف ما يحصل بإزاء نص فرنسي مثلا، إذ يستطيع قراءته قراءة صحيحة حتى من دون أن يسبق له علم بالمعنى الموجود فيه. فالنص الفرنسي يقرأ ثم يفهم. من هنا يمكن القول إن اللغة العربية ما تزال لغة شفوية في المقام الأول.
إن العلاقة بين «علم إعراب القرآن» وعلم النحو لا تحتاج إلى إيضاح.
وبالتالي فقد اعتبر جمهور العلماء أن إعراب القرآن هو من علم النحو. ولكن العلاقة وثيقة أيضا بين إعراب القرآن وتفسيره، ولذلك ذهب البعض، ومنهم طاش كبري زادة في كتابه «مفتاح السعادة» ، إلى أنه من فروع علم التفسير.
والحقيقة أن إعراب القرآن ضروري للتفسير ولا ينفصل عن علم القراءات. وعليه ثمّة علوم ثلاثة مترابطة هي: علم التفسير (التأويل) وعلم الإعراب وعلم القراءات. من هنا نلاحظ أن معظم كتب التفسير لا تخلو من إشارات إلى وجوه القراءة المختلفة وبالتالي إلى وجوه الإعراب.