، وقرأ عاصم يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا بفتح الياء. قال أبو إسحاق: ويجوز في العربية يا بنيّ اركب معنا كما تقول: يا غلامي أقبل وكذا يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [الزمر: 53] «يا بني اركب معنا» على أن تحذف الياء وتبقي الكسرة دالّة عليها كما تقول: يا غلام أقبل. فأما قراءة عاصم فمشكلة، قال أبو حاتم: يريد يا بنيّاه ثم حذف. قال أبو جعفر، ورأيت عليّ بن سليمان يذهب إلى أنّ هذا لا يجوز لأن الألف خفيفة فلا يحذف.

قال أبو جعفر: وما علمت أحدا من النحويين جوّز الكلام في هذا إلّا أبا إسحاق فإنّه زعم أنّ الفتح من جهتين والكسر من جهتين فالفتح على أن يبدل من الياء ألفا كما قال جلّ وعزّ أحيانا يا وَيْلَنا [هود: 72] . وكما قال: [الطويل] 214-

فيا عجبا من رحلها المتحمّل «1»

فيريد بابنيّا ثم حذف الألف لالتقاء الساكنين كما تقول: جاءني عبد الله في التثنية، والجهة الأخرى أن تحذف الألف لأنّ النداء موضع حذف ولكن على أن تحذف الياء، والجهة الأخرى على أن يحذفها لالتقاء الساكنين. وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ يدلّ هذا- والله أعلم- على أنّ نوحا صلّى الله عليه وسلّم لم يعلم أنه كافر وأنه ظنّ أنا مؤمن.

[سورة هود (11) : آية 43]

قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)

قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ على التبرئة ويجوز «لا عاصم اليوم» تكون «لا» بمعنى ليس إِلَّا مَنْ رَحِمَ في موضع نصب استثناء ليس من الأول ويجوز أن تكون في موضع رفع على أنّ عاصما بمعنى معصوم مثل ماءٍ دافِقٍ [الطارق: 6] ومن أحسن ما قيل فيه أن يكون «من» في موضع رفع والمعنى لا يعصم اليوم من أمر الله إلّا الراحم أي إلّا الله جلّ وعزّ ويحسن هذا لأنك لم تجعل عاصما بمعنى معصوم فتخرجه من بابه.

[سورة هود (11) : آية 44]

وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)

وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ قيل: هذا مجاز لأنها موات وقيل: جعل فيها ما تميّز به، والذي قال إنّها مجاز، قال: لو فتّش كلام العرب والعجم ما وجد فيه مثل هذه الآية على حسن نظمها وبلاغة وصفها واشتمال المعاني فيها، وحكى الكسائي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015