أي وكفّلها الله زكرياء، وروى هارون بن موسى «1» عن عبد الله بن كثير وأبي عبد الله المدني «2» وكفلها زكريّاء بكسر الفاء. قال الأخفش سعيد: يقال: كفل يكفل وكفل يكفل ولم أسمع كفل وقد ذكرت. قال الفراء «3» : أهل الحجاز يمدّون زكريّاء ويقصرونه، وأهل نجد يحذفون منه الألف ويصرفونه فيقولون: زكريّ. قال الأخفش:
فيه أربع لغات زكرياء بالمدّ وزكريّا بالقصر وزكريّ بتشديد الياء والصرف وزكر ورأيت زكريا. قال أبو حاتم: زكريّ بلا صرف لأنه أعجميّ. وهذا غلط لأن ما كانت فيه ياء مثل هذه انصرف، ولم ينصرف زكريّاء في المدّ والقصر لأن فيه ألف تأنيث والدليل على هذا أنه لا يصرف في النكرة وقال قوم: لم ينصرف لأنه أعجميّ. كُلَّما دَخَلَ منصوب بوجد أي كلّ دخوله أي كلّ وقت دخوله، وإن شئت أملت الألف من حساب لكسرة الحاء.
هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38)
هُنالِكَ في موضع نصب لأنه ظرف يتضمّن المكان وأحوال الزمان وهو مبني لأنه بمنزلة ذلك وهنا بمنزلة هذا، وبنو تميم يقولون: هناك بمنزلة هنالك واللام مكسورة لالتقاء الساكنين، ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً على اللفظ.
[سورة آل عمران (?) : آية 39]
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وقرأ عبد الله بن مسعود وابن عباس فناداه الملائكة «4» وهو اختيار أبي عبيد وروي عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم كان عبد الله يذكّر الملائكة في كلّ القرآن قال أبو عبيد: أنا اختار ذلك خلافا على المشركين لأنهم قالوا الملائكة بنات الله. قال أبو جعفر: هذا احتجاج لا يحصل منه شيء لأن العرب تقول: قالت الرجال وقال الرجال وكذا النساء وكيف يحتجّ عليهم بالقرآن ولو جاز أن يحتجّ عليهم بهذا لجاز أن يحتجّوا بقوله وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ [آل عمران: 42] ولكن الحجة عليهم في قوله جلّ وعزّ: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ [الزخرف: 19] أي فلم يشاهدوا خلقهم فكيف يقولون: إنهم إناث فقد علم أنّ هذا ظنّ وهوى، وأما فناداه فهو جائز على تذكير