الأحدب على أن المعنى: ومن عند الله الذي في السّماء صاحب رزقكم. وقال قول:

كلّ ما كسبه الإنسان سمّي رزقا. وقال قوم: لا يقال رزقه الله جلّ وعزّ إلا كما كان حلالا، واستدلوا على هذا في القرآن فقال الله عزّ وجلّ: وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ [المنافقون: 10] ولا يأمر بالنفقة إلّا من الحلال. واختلف أهل التأويل في وَما تُوعَدُونَ فقال الضحاك: الجنّة والنار، وقال غيره: توعدون من وعد، ووعد إنما يكون للخير فما توعدون للخير فأما في الشّرّ فيقال: أوعد، وقال آخرون: هو من أوعد لأن توعدون في العربية يجوز أن يكون من أوعد ومن وعد. والأحسن فيه ما قال مجاهد، قال: ما توعدون من خير وشرّ لأن الآية عامة فلا يخصّ بها شيء إلا بدليل قاطع.

[سورة الذاريات (51) : آية 23]

فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)

فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ خفض على القسم. إِنَّهُ لَحَقٌّ أي إن قولنا. وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ برفع «مثل» قراءة الكوفيين وابن أبي إسحاق «1» على النعت لحق، وقرأ المدنيون وأبو عمرو مثل ما بالنصب. وفي نصبه أقوال أصحّها ما قال سيبويه أنه مبني لما أضيف إلى غير متمكّن فبني ونظيره وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ [هود: 66] . وقال الكسائي: «مثل ما» منصوب على القطع، وقال بعض البصريين هو منصوب على أنه حال من نكرة، وأجاز الفراء «2» أن يكون التقدير حقّا مثل ما، وأجاز أن يكون «مثل» منصوبة بمعنى كمثل ثم حذف الكاف ونصب، وأجاز: زيد مثلك، ومثل من أنت؟ ينصب «مثل» على المعنى على معنى كمثل فألزم على هذا أن يقول: عبد الله الأسد شدّة، بمعنى كالأسد فامتنع منه، وزعم أنه إنما أجازه في مثل لأن الكاف تقوم مقامها، وأنشد: [الوافر] 435-

وزعت بكالهراوة اعوجّي ... إذا ونت الرّكاب جرى وثابا

«3» قال أبو جعفر: وهذه أقوال مختلفة إلّا قول سيبويه. وفي الآية سؤال أيضا وهو أن يقال: جمع ما بين «ما» و «إنّ» ومعناهما واحد. قال أبو جعفر: ففي هذا جوابان للنحويين الكوفيين أحدهما أنه لما اختلف اللفظان جاز ذلك كما قال: [الوافر] 436-

فما إن طبّنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا

«4»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015