والمعنى فيهن كلّهن عنده معنى واحد. بمعنى الشيء المأثور. قال أبو جعفر: ومعنى الشيء المأثور المتحدّث به. ومما صحّ سنده عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه سمع عمر وهو يقول: وأبي، فقال:
«إنّ الله جلّ وعزّ ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله جلّ وعزّ أو ليسكت» «1» قال عمر: فما حلفت بها بعد ذاكرا ولا أثرا. وفي بعض الحديث «من حلف بغير الله جلّ وعزّ فقد أشرك» «2» وفي أخر «فقد كفر» فقوله «ذاكرا» معناه متكلّما بها، وقائلا بها، كما يقال: ذكرت لفلان كذا ومعنى «ولا أثرا» ولا مخبرا بها عن غيري أنه حلف بها. ومن هذا حديث مأثور، يقال: أثر الحديث يأثره، وأثر يفعل ذلك واثر فلان فلانا، إذا فضّله، وأثار التراب يثيره، ووثر الشيء ويؤثر إذا صار وطيئا ومنه قيل: ميثرة انقلبت الواو فيها ياء.
وفي معنى قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف بغير الله جلّ وعزّ فقد أشرك» . أقوال:
أصحّها أنّ المعنى فقد أشرك في تعظيم الله جلّ وعزّ غير الله لأنه إنما يحلف الإنسان بما يعظّمه أكبر العظمة، وهذا لا ينبغي أن يكون إلّا لله جلّ وعزّ. وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فقد كفر» أقوال: فمن أصحّها أنّ الكفر هو التغطية. والمعنى: فقد غطّى وستر ما يجب أن يظهر من تعظيم الله جلّ وعزّ.
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5)
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أي ومن أضلّ عن الحقّ ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة. قال الفراء «3» : وفي قراءة عبد الله ما لا يستجيب له والقول فيه مثل ما تقدّم.
[سورة الأحقاف (46) : آية 6]
وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (6)
وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً أي يتبرؤون منهم ومن عبادتهم.
[سورة الأحقاف (46) : آية 7]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ نصب على الحال.