يجوز القراءة إلا بالرفع، وأنّ من نصب فقد خرج من هذه التأويلات وسَواءً
مرفوع بالابتداء على هذا لا وجه لنصبه لأن المعنى أنّ المؤمنين مستوون في محياهم ومماتهم، والكافرون مستوون في محياهم ومماتهم، ثم يرجع إلى النصب فهو يكون من غير هذه الجهة وذلك من جهة ذكرها الأخفش سعيد، قال: يكون المعنى: أم حسب الذين اجترحوا السيّئات أن نجعل محياهم ومماتهم مستويا كمحيا المؤمنين ومماتهم. فعلى هذا الوجه يجوز النصب، وعلى هذا الوجه الاختيار عند الخليل وسيبويه رحمهما الله الرفع أيضا، ومسائل النحويين جميعا على الرفع كلهم. تقول ظننت زيدا سواء أبوه وأمّه، ويجيزون النصب ومسائلهم على الرفع. وأعجب ما في هذا إذا كانت مسائل النحويين كذا فكيف قرأ به الكسائي واختاره أبو عبيد؟ فأما القراءة بالنصب «سواء محياهم ومماتهم» ففيها وجهان. قال الفرّاء «1» : المعنى في محياهم وفي مماتهم ثم حذفت «في» يذهب إلى أنه منصوب على الوقت، والوجه الآخر أن يكون «محياهم ومماتهم» بدلا من الهاء والميم التي في «نجعلهم» بمعنى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعل محياهم ومماتهم سواء كالذين آمنوا وعملوا الصّالحات أي كمحيا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات ومماتهم. ساءَ ما يَحْكُمُونَ
إن جعلت «ما» معرفة فموضعها رفع وإن جعلتها نكرة فموضعها نصب على البيان.
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22)
لام كي لا بدّ من أن تكون متعلّقة بفعل إما مضمر وإما مظهر، وهو هاهنا مضمر أي ولتجزى كلّ نفس بما كسبت فعل ذلك.
[سورة الجاثية (45) : آية 23]
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23)
مَنِ في موضع نصب. وللعلماء في معناها ثلاثة أقوال فمن أجلها ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ قال: الكافر اتّخذ دينه بغير هدى من الله جلّ وعزّ ولا برهان. وقال الحسن: هو الذي كلما اشتهى شيئا لم يمتنع منه. وقال سعيد بن جبير: كان أحدهم يعبد الشيء فإذا رأى غيره أحسن منه عبده وترك الآخر. قال أبو جعفر: قول الحسن على التشبيه كما قال جلّ وعزّ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة: 31] والأشبه بنسق الآية أن يكون