«في» واختيار أبي عبيد ما اختاره الكسائي. قال أبو جعفر: أما قوله جلّ وعزّ: وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ فلا اختلاف بين النحويين فيه أنّ النصب والرفع جيدان فالنصب على العطف أي وإنّ في خلقكم. والرفع من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون معطوفا على الموضع مثل وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها. والوجه الثاني: الرفع بالابتداء وخبره وعطفت جملة على جملة منقطعة من الأول كما تقول: إنّ زيدا خارج وأنا أجيئك غدا. والوجه الثالث: أن تكون الجملة في موضع الحال مثل يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ [ال عمران: 154] فأما قوله جلّ وعزّ: وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ فقد اختلف النحويون فيه فقال بعضهم: النصب فيه جائز وأجاز العطف على عاملين فممن قال هذا سيبويه والأخفش والكسائي والفرّاء، وأنشد سيبويه:
[المتقارب] 416-
أكلّ امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقّد باللّيل نارا
«1» وردّ هذا بعضهم ولم يجز العطف على عاملين وقال: من عطف على عاملين أجاز: في الدار زيد والحجرة عمرو. وقائل هذا القول ينشد «ونارا» بالنصب. ويقول من قرأ الثالثة «آيات» فقد لحن. وممن قال هذا محمد بن يزيد. وكان أبو إسحاق يحتجّ لسيبويه في العطف على عاملين بأن من قرأ «آيات» بالرفع فقد عطف أيضا على عاملين لأنه عطف «واختلاف» على «وفي خلقكم» وعطف «آيات» على الموضع فقد صار العطف على عاملين إجماعا. والقراءة بالرفع بيّنة لا تحتاج إلى احتجاج ولا احتيال. وقد حكى الفرّاء «2» في الآية غير ما ذكرناه، وذلك أنه أجاز «واختلاف الليل والنهار» بالرفع فيه وفي «آيات» يجعل الاختلاف هو الآيات. وقد كفي المؤونة فيه بأن قال: ولم أسمع أحدا قرأ به.
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ مبتدأ وخبره، ويجوز أن يكون آيات الله بدلا من تلك ويكون