الماضي، وكأن المعنى: كم من قرية قاربت الهلاك فجاءها البأس ليلاً أو نهاراً فأهلكناها، خبر على هذا. وقوله (فَجاءَها) معطوف. فإن جعلت (أَهْلَكْناها) صفة للقرية ولم تجعله خبراً، ف «كم» في المعنى هي القرية. فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت «كم» إذ كان «كم» في المعنى هو القرية.
ويدلك على ذلك قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) (?) فعاد الذكر على «كم» على المعنى، إذ كانت الملائكة في المعنى.
وعلى هذا قال: (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) «2» فيعاد مرة الذكر على لفظ القرية، ومرة على معناها، فيكون دخول الفاء في قوله: (فَجاءَها بَأْسُنا) «3» على حد: كل رجل جاءني فله درهم فيكون المعنى: كم من قرية جاءها الهلاك فقاربت البأس، فكان سبب الإهلاك/ مجىء البأس، لأن الإهلاك إنما يكون عما يستحق له الإهلاك، فكأنها استحقت الإهلاك فجاءها البأس، فصار نزول البأس استحقاق ذلك. فإذا سلكت فيه هذا المسلك لم يجز في موضع (كَمْ) النصب (?) لأن من قال: زيدا ضربته، لا يقول: أزيداً أنت رجل تضربه إذا جعلت تضربه صفة للرجل. وكذلك (أَهْلَكْناها) إذا جعلتها صفة ولم تجعلها خبراً. ويكون قوله (فَجاءَها) في موضع الخبر، كما أن قوله فله درهم، من قولك: كل رجل يأتيني فله درهم، في موضع الخبر.
ويجوز أيضاً أن تكون الفاء عاطفة جملة على جملة، على تقدير: جاءها البأس قبل الإهلاك لأن المعنى يدل على أن البأس مجئ الإهلاك، فصار (فَجاءَها بَأْسُنا) كالتبيين للإهلاك لهم، والتعريف لوقته.