فأما (نَنسَخ) فمن نسخت فأنا ناسخٌ، والشيء منسوخ.
وأمَّا (نُنسِخ) ففيه وجهان:
أحدهما: أنّ يكون بمعنى ما نُنسِخك يا محمد، هو قول أبي عبدة، يُقال نَسخت الكتابَ، وأنسخته غيري.
والثاني: أنّ يكون نُنسِخ جعلته ذا نسخ، كما يُقال: أقبرته جعلته ذا قبر ويروى أنّ الحجاج قتل رجلا فقال له قومه: أقبرنا فلانا، أي اجعله ذا قبر. واختلف في (ننسأها): فقرأ ابن كثير وأبو عمرو (ننسأها) بالهمزة، وهو جزم بالشرط، ولا يجوز حذفها عندهما؛ لأنّ سكونها علامةُ الجزم، وقرأ الباقون (نُنْسِهَا) بضم النون وكسر السين، على أنّ يكون من (النسيان) أو يكون من الترك، والأول قول قتادة والثاني قول ابن عباس.
قال الزجاج: هذا خطأ، وإنما يقال: نسيت بمعنى تركت، ولا يقال: أُنسيت بمعنى تركت، وإنَّما معنى نُنسِها: نتركها أي نأمر من يتركها.
* * *
فصل:
ومما يسأل عنه أن يقال: كيف يجوز على الجماعة الكثيرة أنّ تنسى شيئا كانت حافظةٌ له، حتى لا يذكره ذاكر منها؟
والجواب: أنّ فيه قولين:
أحدهما: أنّه إذا أُمر الناس بترك تلاوته نُسي على مرور الأيام.
والثاني: أنّ يكون معجزةً للنبي عليه السلام، وقد جاءت أحاديث متظاهرة في أنها نزلت أشياء من القرآن ثم نُسِخت تلاوتها. فمنها ما ذكر أبو موسى الأشعري أنّهم كانوا يقرؤون: (لو أنّ لابن آدم واديين من ذهب لا بتغى لهما ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا الترابُ ويتوب الله على من تاب).