فأنزل الله تعالى: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45).
* * *
فصل:
ومما يسأل عنه أن يقال: إنما يشبه الشيء بما يُعرف. ورؤوس الشياطين لا تُعرف. فكيف شبَّه طلع هذه الشجرة برؤوس الشياطين وهي لا تعرف؟
وعن هذا ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنّ رؤوس الشياطين ثمرة شجرة يقال لها الأستن، وإياه عنى النابغة:
تَحِيْدُ عن أَسْتَنٍ سُوْدٍ أسافِلُها ... مَشْي الإِماءِ الغوادي تَحْمِل الحُزَمَا
وهذه الشجرة تشبه بني آدم، قال الأصمعي: ويقال له " الصوم "، وأنشد:
موكّلٍ بشدُوف الصَوم يَرقبُهُ ... مِنَ المغاربُ مَهضُومُ الحشَانةِ
يصف وعلًا يظن هذا الشجر قناصين فهو يرقبه.
والجواب الثاني: أنّ الشيطان جنس من الحيّات، أنشد الفراء:
عَنجردٌ تَحلف حينَ أحلِفُ ... كمِثلِ شيطانِ الحَماطِ أعرفُ
وأنشد المبرد:
وفي البقل إن لم يدفع الله شَرَّهُ ... شياطينُ يَنْزُو بعضُهنّ إلى بَعضِ
والثالث: أنّ الله تعالى شنَّع صور الشياطين عند الناس، فاستقر في قلوبهم أنها شنعة، فشبّه طلع هذه الشجرة بما استقرت شناعته في القلوب، قال الراجز: