فصل: ومما يسأل عنه أن يقال: لم قال (فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى)، ولم يقل: فتشقيا؟
والجواب: أنّ المعنى على ذلك، لأنّه خطاب له ولزوجه. إلا أنّه اكتفى بذكره عن ذكرها، لأنّ أمرهما في السبب واحد فاستوى حكمهما في استواء العلة.
ومما يسأل عنه أن يقال: كيف جمع بين الجوع والعري. وبين الظمأ والضحو. والظمأ من جنس الجوع، والضحو من جنس العري؟
وعن هذا جوابان:
أحدهما: أنّ الضحو الانكشاف إلى الشمس على ما تقدم. والحر عنه يكون، والظمأ أكثر ما يكون من شدة الحر، فجمع بينهما في اللفظ لاجتماعهما في المعنى. وكذلك الجوع والعري يتشابهان من قِبل أن الجوع عرى في الباطن من الغذاء، والعري ظاهر للجسم.
والجواب الثاني: أنّ العرب تلف الكلامين بعضهما ببعض اتكالًا على علم المخاطب، وأنه يرد كل واحدٍ منهما إلى ما يشاكله، قال امرؤ القيس:
كأَنِّي لَمْ أَرْكَبْ جَواداً لِلَذَّةٍ ... وَلَمْ أَتَبطَّنْ كاعِباً ذاتَ خَلْخالِ
ولم أَسْبَأ الزِّقَّ الرَّويَّ ولم أقْلْ ... لخيلي كُرِّي كَرَّةً بعد إجْفالِ
وكان حقه أن يقول: كأني لم أركب جواداً للذة، ولم أقل لخيلي كُرِّي، ولم ولم أَسْبَأ الزِّقَّ الرَّويَّ، ولم أتبطن كاعبا.
وقد تؤول قول امرئ القيس على الجواب الأول، وذلك أنّه جمع في البيت الأول بين ركوبين: ركوب لجواد وركوب الكاعب، وجمع في الثاني بين سباء الخمر والإغارة لأنهما يتجانسان
* * *
فصل:
ومما يُسأل عنه أن يقال: لم جاز أن تعمل (إنَّ) في (أنَّ) بفصلٍ، ولم يجز من غير فصل؟
والجواب: أنّهم امتنعوا عن ذلك كراهة للتعقيد بمداخلة المعاني المتقاربة، فأما المتباعدة فلا يقع فيها تعقيد بالاتصال، لأنها مباينة مع الاتصال لألفاظها، فلذلك جاز (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)) ولم يجز: إن إنك لا تظمأ فيها؛ لأنّه بغير فصل. وقرأ نافع وعاصم من طريقة أبي بكر (وَإِنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا) بالكسر، وقرأ الباقون بالفتح.