فالعربية قد وصلها القرآن بالعقل والشعور النفسي، حتى صارت جنسية فلو جُنَّ كل أهلها.
وسخوا بعقولهم على ما زَينت لهم أنفسهم من الإلحاد والسياسة كجنون بعض فتياننا. . لحفظها
الشعور النفسي وحده، وهو مادةُ العقل بل مادة الحياة؛ وقد يكون العقل في يد صاحبه يضمن ويسخو، ولكن ذلك النوع من الشعور في يد الله، وهذا من تأويل قوله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) .
ولولا هذا الشعور الذي أومأنا إليه لدونت العامية في أقطار العربية زمناً بعد زمن، ولخرجت بها الكتب، ولكان من جهلة الملوك والأمراء وأشباههم ممن تتابعوا في التاريخ العربي. .
من يضطلع من ذلك بعمل، إن لم يكن مفسدة فمصلحة يزعمها، كالذي فعله بعض ملوك الرومان
وبعض شعرائهم في تدوين العامية من اللاتينية، حتى خرج منها اللسان الطلياني، وكما فعل اليونان
في استخراج اللسان الرومي، وهو العامي من اليونانية. ولولا أن أحداً استقبل من ذلك شيئاً وأراد
أن يحمل الناس عليه لاستقبل أمراً بعض ما فيه العنت كله والضياع بجملته، ولشق على نفسه في
بلوغ إرادة لها من شعور كل نفس عدو، حتى يستفرغ ما عنده وكأنه لما يبدأ مع الناس في بدء لأن
له مدة نفسه وحدها وللناس عمر التاريخ كله؛ ومتى لم يقع على فرق ما بين الاثنين، وأراد أن يتولى عمل التاريخ، فليس بدعاً أن يجعله التاريخ بعض عمله؛ (وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) .