كعبَ بن لؤَي بن عامر بن لؤي، معهم العوذ المطافيل وهمُ مُقاتلوكَ وصادوك عن البيت.
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"إن قريشاً قد نهكتْهم الحرب فإن شاءوا ماددناهم مُدة ويدَعوا ما بيني وبين الناس فإن أظهر عليهم وأحبوا أن يدخلوا فيما دخلَ فيه الناس. . وإلا كانوا قد جفوا، وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفَتي هذه، وليُتفِذَن الله أمره".
فتأمل قوله عليه الصلاة والسلام: "حتى تنفرد سالفتي هذه"
وكيف تصور معنى الانفراد الذي لا يستوحش منه لأن الثقة فيه بالله، والقلة التي لا يخاف منها لأن الكثرة فيها من الله، والاستماتة
التي لا تردد معها لأن الأمر فيها إلى الله، وانظر كيف يصف العزيمة الحذاء، وكيف تقرع بالوعيد والتهديد، وكيف تغني في جواب القوم ما لا تغنيه الرسائل الطوال، حتى لتقطع الشهادة عليها
قطعاً بما في نية صاحب الجواب من عزم أمره ووثاقة عقده، فكأنها صورة واضحة لما استقر في نفسه من كل ما عسى أن يَرجعه جواباً، وما عسى أن يتهيأ له في باب الحزم، وإنَّها لكلمة بمعركة!
ومن هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"من هم بحسنةٍ ولم يعملها كتبت له حسنة، فإن عمِلها كتبت له
عشراً، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، ولا يهلك على الله إلا هالك "
فتأمل هذا التذييل العجيب، فإنك لا تقضي منه عجباً، ولَن يعجز إنسان أن
يهم بالخير، يفعله أو يفعله، وأن ينزع إلى الشر فيمسك عنه، فإن عجز حتى عن هذا فما فيه آدمية، ورحمة الله تنال الإنسان بأسباب من خيره، ومن شره إذا كان فيه الضمير الإنساني، وهذا في الغاية كما ترى.
***