قوله في أمر الجاهلية: " إن الله قد وضع عنا آثامها في شعرها وروايته!
وبمثل هذا القول استأنس العلماء وتجردوا للرواية وتملأوا منها. رحمهم الله وأثابهم بما صنعوا!
وقد كان له - صلى الله عليه وسلم - شعراء ينافحون عنه، ويتجارون مع شعراء القبائل الأحاديث والأفانين، ولم يقمهم هو ولكن أقامتهم العادة العربية التي جعلت قولهم أشد على بعض العرب من نضح النبل،
لأنه عليه الصلاة والسلام لم يؤمر بالفخر، ولم يبعث للهجاء، وقد ترك عادة العرب ونخوة الجاهلية في مثل ذلك، ولكنهم لم يتركوها في أول العهد بالرسالة، فكانوا يَهيجون عليه شعراءهم، ويحرضون خطباءهم، ويقصدونه بالأقاويل يستطيلون بها عليه، فإذا أتاه الوفد منهم:
كبني تميم حين جاءوه بشاعرهم الأقرع بن حابس وخطيبهم عَطارد بن حاجب؛ ينادونه من وراء الحجرات: يا محمد، أخرج إلينا نفاخركَ ونشاعرْكَ، فإن مَدْحنا زين وذمنا شَين - رماهم بمثل
خطيبه ثابت بن قيس شمَّاس. أو بأحد شعرائه عبد الله بن رَواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك، فضغَموا الشعراء والخطباء، وأبلغوا في الرد عليهم، تأييداً من الله في المنافحة عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -،
ورداً لكيدهم الذي يكيدون.
ولقد كانت السابقة في ذلك لحسان رضي الله عنه، وكان ذا لسان ما يسره به معقول من مَعَدّ وكأنما زاد الله فيه زيادة ظاهرة؛ وهو الذي قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " قل وروحُ القدسِ معك!
فكان إذا أرسل لسانه لم يجدوا له دفعاً، وإذا مسهم بالضر لم يَجد شعراؤهم نفعاً، وإذا وضع منهم لم يستطيعوا لما وضعه رفعاً:
إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق لأدنى سبقهم تَبع
لا يرقَع الناسُ ما أوهَت أكفهمُ ... عند الدفاع ولا يُوهون ما رقعوا
أكرم بقومٍ رسولُ الله شيعتهم ... إذا تفرَّقت الأهواء والشيعُ
***