844 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نُمَيْرُ بْنُ فِجَافٍ الْهِلَالِيُّ قَالَ: كَانَ فِينَا فَتًى يُقَالُ لَهُ: بِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَكَانَ يُعْرَفُ بِالْأَسِيرِ , وَكَانَ سَيِّدَ فِتْيَانِ بَنِي هِلَالٍ , وَأَحْسَنَهُمْ وَجْهًا , وَأَسْخَاهُمْ نَفْسًا , وَكَانَ مُعْجَبًا بِجَارِيَةٍ مِنْ قَوْمِهِ , وَكَانَتْ تُدْعَى جِيدًا , وَكَانَتْ بَارِعَةَ الْجَمَالِ , فَلَمَّا عَلَا أَمْرُهُ وَأَمْرُهَا , وَظَهَرَ خَبَرُهُ وَخَبَرُهَا , وَقَعَ الشَّرُّ بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا حَتَّى وَقَعَتْ فِيهِمُ الدِّمَاءُ قَالَ نُمَيْرٌ: فَلَمَّا طَالَ عَلَى الْأَسِيرِ الْبَلَاءُ جَاءَنِي يَوْمًا فَقَالَ لِي: يَا نُمَيْرُ , هَلْ عِنْدَكَ خَبَرٌ؟ قُلْتُ: عِنْدِي , فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ. قَالَ: تُسَاعِدُنِي عَلَى زِيَارَةِ جِيدٍ , فَقَدْ أَذَابَ الشَّوْقُ رُوحِي , وَنَغَّصَ عَلَيَّ حَيَاتِي. قُلْتُ: نَعَمْ , بِالْحُبِّ وَالْكَرَامَةِ , فَانْهَضْ إِذَا شِئْتَ. فَرَكِبَ وَرَكِبْتُ مَعَهُ , فَسِرْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا وَالْغَدَ , حَتَّى إِذَا كَانَ الْعِشَاءُ أَنَخْنَا رِحَالَنَا فِي شِعْبٍ خَفِيٍّ وَقَعَدْنَا عِنْدَهُمَا , وَقَالَ: يَا نُمَيْرُ: اذْهَبْ فَتَأَّنَسْ بِالنَّاسِ , وَاذْكُرْ إِنْ لَقِيتَ أَحَدًا أَنَّكَ طَالِبُ ضَالَّةٍ , وَلَا تُعَرِّضْ بِذِكْرِي بَيْنَ شَفَةٍ وَلِسَانٍ إِلَّا أَنْ تَلْقَى فُلَانَةَ جَارِيَتَهَا رَاعِيَةَ ضَأْنِهِمْ , فَأَقْرِئْهَا مِنِّي السَّلَامَ وَسَلْهَا عَنِ الْخَبَرِ , وَأَعْلِمْهَا مَوْضِعِي. قَالَ: فَخَرَجْتُ لَا أَعْدُو مَا أَمَرَنِي بِهِ حَتَّى لَقِيتُ الْجَارِيَةَ , فَأَبْلَغْتُهَا الرِّسَالَةَ , وَأَعْلَمْتُهَا مَكَانَهُ , وَسَأَلْتُهَا عَنِ الْخَبَرِ , قَالَتْ: هِيَ وَاللَّهِ مُشَدَّدٌ عَلَيْهَا , مُتَحَفَّظٌ بِهَا عَلَى ذَلِكَ , فَمَوْعِدُكُمْ أُولَئِكَ الشَّجَرَاتُ اللَّوَاتِي عِنْدَ أَقْعَابِ الْبُيُوتِ مَعَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. قَالَ: فَانْصَرَفْتُ إِلَى صَاحِبِي فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ , ثُمَّ نَهَضْتُ أَنَا وَهُوَ نَقُودُ رَوَاحِلَنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَوْعِدَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَعَدَتْنَا , فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى إِذَا جِيدٌ تَمْشِي , فَدَنَتْ مِنَّا , وَوَثَبَ الْأَسِيرُ فَصَافَحَهَا وَسَلَّمَ عَلَيْهَا , وَوَثَبْتُ مُوَلِّيًا عَنْهُمَا , فَقَالَا: نُقْسِمُ عَلَيْكَ إِلَّا رَجَعْتَ , فَوَاللَّهِ مَا نَحْنُ فِي مَكْرُوهٍ , وَلَا بَيْنَنَا قَبِيحٌ نَخْلُو بِهِ دُونَكَ , فَانْصَرَفْتُ رَاجِعًا إِلَيْهِمَا حَتَّى جَلَسْتُ مَعَهُمَا , فَقَالَ لَهَا الْأَسِيرُ: مَا فِيكِ حِيلَةٌ يَا جِيدُ نَتَعَلَّلُ اللَّيْلَةَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا لِي إِلَى ذَلِكَ مِنْ سَبِيلٍ , إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ الَّذِي تَعْلَمُ مِنَ الْبَلَاءِ وَالشَّرِّ. فَقَالَ لَهَا: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ وَقَعَتِ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ -[405]-. قَالَتْ: فَهَلْ فِي صَاحِبِكَ هَذَا مِنْ خَيْرٍ؟ قُلْتُ: قُولِي مَا بَدَا لَكِ؛ فَإِنِّي أَنْتَهِي إِلَى رَأْيِكِ , وَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ ذَهَابُ نَفْسِي. فَخَلَعَتْ ثِيَابَهَا فَلَبِسْتُهَا , وَخَلَعْتُ ثِيَابِي فَلَبِسَتْهَا , ثُمَّ قَالَتْ: اذْهَبْ إِلَى بَيْتِي , فَادْخُلْ فِي سِتْرِي , فَإِنَّ زَوْجِي سَيَأْتِيكَ فَيَطْلُبُ مِنْكَ الْقَدَحَ يَحْلُبُ فِيهِ , ثُمَّ يَأْتِيكَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْحَلْبِ بِالْقَدَحِ مَلْآنَ لَبَنًا فَيَقُولُ: هَاكِ غَبُوقَكِ , فَلَا تَأْخُذْهُ مِنْهُ حَتَّى تُطِيلَ نُكْرَكَ عَلَيْهِ , ثُمَّ خُذْهُ أَوْ دَعْهُ حَتَّى يَضَعَهُ , ثُمَّ لَسْتَ تَرَاهُ حَتَّى يُصْبِحَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: فَذَهَبْتُ وَفَعَلْتُ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ , حَتَّى إِذَا جَاءَ بِالْقَدَحِ لِآخُذَهُ , فَلَمْ آخُذْهُ حَتَّى طَالَ نُكْرِي عَلَيْهِ , ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِآخُذَهُ وَهَوَى لِيَضَعَهُ فَاخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُهُ , فَانْكَفَأَ الْقَدَحُ وَانْدَفَقَ مَا فِيهِ مِنَ اللَّبَنِ , فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الطَّمَّاحَ جَدَا. وَضَرَبَ بِيَدِهِ مُقَدَّمَ الْبَيْتِ فَاسْتَخْرَجَ سَوْطًا مَلْوِيًّا مِثْلَ الثُّعْبَانِ , ثُمَّ دَخَلَ فَهَتَكَ السِّتْرَ وَقَبَضَ عَلَيَّ , وَأَمْتَعَ السَّوْطَ مِنِّي , فَضَرَبَنِي تَمَامَ عِشْرِينَ أَنْ زَادَتْ قَلِيلًا أَوْ نَقَصْتُ قَلِيلًا , ثُمَّ جَاءَتْ أُمُّهُ وَأُخْتُهُ فَانْتَزَعَانِي مِنْ يَدِهِ , وَلَا وَاللَّهِ فَعَلَ بِي ذَلِكَ حَتَّى زَايَلَنِي عَقْلِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَجِيئَهُ بِالسِّكِّينِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا الْمَوْتُ , فَلَمَّا خَرَجُوا سَدَدْتُ سِتْرِي وَقَعَدْتُ كَمَا كُنْتُ , فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى أُمُّ جِيدٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ فَكَلَّمَتْنِي وَهِيَ تَحْسَبُنِي ابْنَتَهَا , وَانْبَعَثْتُ فِي الْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ , وَتَغَطَّيْتُ بِثَوْبِي وَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي , فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةِ , اتَّقِي اللَّهَ فِي نَفْسِكِ , وَلَا تَعَرَّضِي لِمَكْرُوهِ زَوْجِكِ , فَذَلِكَ أَوْلَى بِكِ , فَأَمَّا الْأَسِيرُ فَلَكِ آخِرَ الدَّهْرِ , وَخَرَجَتْ مِنْ عِنْدِي وَقَالَتْ: سَأُرْسِلُ إِلَيْكِ بِأُخْتِكِ تُؤْنِسِكِ اللَّيْلَةَ. فَلَبِثْتُ غَيْرَ مَا كَثِيرٍ فَإِذَا الْجَارِيَةُ قَدْ جَاءَتْ وَجَعَلَتْ تَبْكِي وَتَدْعُو عَلَى مَنْ ضَرَبَنِي , وَجَعَلْتُ لَا أُكَلِّمُهَا , ثُمَّ اضَّجَعَتْ إِلَى جَنْبِي , فَلَمَّا اسْتَمَكَنْتُ مِنْهَا شَدَدْتُ يَدِي عَلَى فَمِهَا وَقُلْتُ: يَا هَذِهِ , تِلْكَ أُخْتُكِ مِنَ الْأَسِيرِ , وَقَدْ قُطِعَ ظَهْرِي بِسَبَبِهَا اللَّيْلَةَ , وَأَنْتِ أَوْلَى بِالسِّتْرِ عَلَيْهَا , فَاخْتَارِي لِنَفْسِكِ وَلَهَا , فَوَاللَّهِ إِنْ تَكَلَّمْتِ بِكَلِمَةٍ لَأُصْبِحَنَّ أَنَا بِجُهْدِي حَتَّى تَكُونَ الْفَضِيحَةُ شَامِلَةً. ثُمَّ رَفَعْتُ عَنْ فِيهَا فَاهْتَزَّتْ كَمَا تَهْتَزُّ الْقَصَبَةُ مِنَ الْفَرَقِ , فَلَمْ أَزَلْ بِهَا حَتَّى آنَسَتْ , فَبَاتَتْ وَاللَّهِ مَعِي أَصْلَحَ -[406]- رَفِيقٍ رَفَقْتُهُ قَطُّ , فَلَمْ تَزَلْ تَتَحَدَّثُ وَتَضْحَكُ مِنِّي , وَمَاءَلَنِي وَتَمَكَّنْتُ مِنْهَا تَمَكُّنَ مَنْ لَوْ رَامَ مِنْهَا رِيبَةً قَدَرَ عَلَيْهَا , وَلَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَ , فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ , ثُمَّ إِذَا جِيدٌ تَدْخُلُ عَلَيْنَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ , فَلَمَّا رَأَتْنَا ارْتَاعَتْ لِذَلِكَ وَقَالَتْ: وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟ قُلْتُ: أُخْتُكِ. قَالَتْ: وَمَا السَّبَبُ؟ قُلْتُ: هِيَ تُخْبِرُكِ؛ فَإِنَّهَا لَعَمْرُ اللَّهِ عَالِمَةٌ. وَأَخَذْتُ ثِيَابِي وَمَضَيْتُ إِلَى صَاحِبِي , فَرَكِبْتُ أَنَا وَهُوَ , وَحَدَّثْتُهُ مَا أَصَابَنِي , وَكَشَفْتُ لَهُ عَنْ ظَهْرِي , وَإِذَا فِيهِ مَا غَرَسَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ضَرْبَةٍ إِلَى جَنْبِ أُخْرَى , كُلُّ ضَرْبَةٍ يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: لَقَدْ عَظُمَتْ صَنِيعَتُكَ , وَوَجَبَ شُكْرُكَ , وَخَاطَرْتَ بِنَفْسِكَ , فَلَا أَحْرَمَنِي اللَّهُ مُكَافَأَتَكَ