826 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , وَكَانَ عَلَى سَاقِ غَنَائِمِ خَيْبَرَ حَتَّى افْتَتَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ إِذْ سَمِعَ امْرَأَةً وَهِيَ تَهْتِفُ فِي خِدْرِهَا وَتَقُولُ:
[البحر البسيط]
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ... أَمْ هَلْ سَبِيلٌ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
إِلَى فَتًى مَاجِدِ الْأَعْرَافِ مُقْتَبِلٍ ... سَهْلِ الْمُحَيَّا كَرِيمٍ غَيْرِ مِلْجَاجِ
نَمَتْهُ أَعْرَافُ صِدْقٍ حِينَ يَنْسِبُهُ ... أَخِي حِفَاظٍ عَنِ الْمَكْرُوهِ فَرَّاجِ
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَرَى مَعِي النَّصْرَ , رَجُلًا تَهْتِفُ بِهِ الْعَوَاتِقُ فِي خُدُورِهَا , عَلَيَّ بِنَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ. فَأُتِيَ بِهِ فَإِذَا هُوَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا وَعَيْنًا وَشَعْرًا , فَأَمَرَ بِشَعْرِهِ فَجُنَّ , فَخَرَجَتْ لَهُ جَبْهَةٌ كَأَنَّهَا شِقَّةُ قَمَرٍ , فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمَّ فَاعْتَمَّ فَافْتُتِنَ النِّسَاءُ بِعَيْنَيْهِ , فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ لَا تُجَامِعْنِي بِبِلَادٍ أَنَا بِهَا. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ , وَلِمَ؟ قَالَ: هُوَ مَا أَقُولُ لَكَ. فَسَيَّرَهُ إِلَى -[393]- الْبَصْرَةِ , وَخَشِيَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي سَمِعَ مِنْهَا عُمَرُ أَنْ يَبْدُرَ مِنْ عُمَرَ إِلَيْهَا شَيْءٌ , فَدَسَّتْ إِلَيْهِ أَبْيَاتًا:
قُلْ لِلْإِمْامِ الَّذِي تُخْشَى بَوَادِرُهُ ... مَالِي وَلِلْخَمْرِ أَوْ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
إِنِّي مُنِيتُ أَبَا حَفْصٍ بِغَيْرِهِمَا ... شُرْبِ الْحَلِيبِ وَطَرْفٍ فَاتِرٍ سَاجِ
إِنَّ الْهَوَى ذِمَّةُ التَّقْوَى فَخَيَّسَهُ ... حَتَّى أَقَرَّ بِإِلْجَامٍ وَإِسْرَاجِ
لَا تَجْعَلِ الظَّنَّ حَقًّا أَوْ تَيَقَّنْهُ ... إِنَّ السَّبِيلَ سَبِيلَ الْخَائِفِ الرَّاجِي
قَالَ: فَبَكَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: الْحَمْدُ اللَّهِ الَّذِي خَيَّسَ التَّقْوَى الْهَوَى. قَالَ: وَأَتَى عَلَى نَصْرٍ حِينٌ وَاشْتَدَّ عَلَى أُمِّهِ غِيبَةُ ابْنِهَا عَنْهَا , فَتَعَرَّضَتْ لَعُمَرَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَقَعَدَتْ لَهُ عَلَى الطَّرِيقِ , فَلَمَّا خَرَجَ يُرِيدُ صَلَاةَ الْعَصْرِ قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ , لَأُجَانِيكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى , ثُمَّ لَأُخَاصِمَنَّكَ , أَيَبِيتُ عَبْدُ اللَّهِ وَعَاصِمٌ إِلَى جَنْبِكَ وَبَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِيَ الْفَيَافِي وَالْمَفَاوِزُ وَالْجِبَالُ. فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ نَصْرٍ , إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعَاصِمًا لَمْ تَهْتِفْ بِهِمَا الْعَوَاتِقُ فِي خُدُورِهِنَّ. قَالَ: فَانْصَرَفَتْ وَمَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: فَأَبْرَدَ عُمَرُ بَرِيدًا إِلَى الْبَصْرَةِ قَالَ: فَمَكَثَ بِالْبَصْرَةِ أَيَّامًا ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَكْتُبْ , فَإِنَّ بَرِيدَ الْمُسْلِمِينَ خَارِجٌ. قَالَ: فَكَتَبَ النَّاسُ وَكَتَبَ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ: سَلَامٌ عَلَيْكَ , أَمَّا بَعْدُ , يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:
[البحر الطويل]
لَعَمْرِي لَإِنْ سَيَّرْتَنِي وَحَرَمْتَنِي ... فَمَا نِلْتَ مِنْ عِرْضِي عَلَيْكَ حَرَامُ
أَإِنْ غَنَّتِ الدَّلْفَاءُ يَوْمًا بِمُنْيَةٍ ... وَبَعْضُ أَمَانِيِّ النِّسَاءِ غَرَامُ
ظَنَنْتَ بِيَ السُّوءَ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ ... بَقَاءٌ فَمَا لِيَ فِي النَّدِيِّ كَلَامُ
-[394]-
وَيَمْنَعُنِي مِمَّا تَقُولُ تَكَرُّمِي ... وَآبَاءُ صِدْقٍ سَالِفُونَ كِرَامُ
وَيَمْنَعُهَا مِمَّا تَمَنَّتْ صَلَاتُهَا ... وَحَالٌ لَهَا فِي قَوْمِهَا وَصِيَامُ
فَهَاتَانِ حَالَانَا , فَهَلْ أَنْتَ رَاجِعِي ... فَقَدْ جُبَّ مِنَّا غَارِبٌ وَشِمَامُ
فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَا وَلِيُّ إِمَارَةٍ فَلَا. وَأَقْطَعَهُ مَالًا بِالْبَصْرَةِ وَدَارًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: " مَا كَانَ أَنْظَرَهُ بِنُورِ اللَّهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَأَفْرَسَهُ , كَانَ وَاللَّهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
بَصِيرٌ بِأَعْقَابِ الْأُمُورِ بِرَأْيِهِ ... كَأَنَّ لَهُ فِي الْيَوْمِ عَيْنًا عَلَى غَدِ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر السريع]
تَزِيدُهُ الْأَيَّامُ إِنْ سَاعَفَتْ ... شِدَّةُ حَزْمٍ بِتَصَارِيفِهَا
كَأَنَّهَا فِي حَالِ إِسْعَافِهَا ... تُسْمِعُهُ ضَجَّةَ تَخْوِيفِهَا
وَفِي مِثْلِهِ:
[البحر الطويل]
يَرَى عَزَمَاتِ الرَّأْيِ حَتَّى كَأَنَّمَا ... تُلَاحِظُهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ عَوَاقِبُهْ
وَذَلِكَ أَنَّ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ لَمَّا نَفَاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْبَصْرَةِ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّلَمِيِّ , وَكَانَ بِهِ مُعْجَبًا , وَكَانَتْ لِمُجَاشِعٍ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا الْخُضَيْرَاءُ , فَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ , وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا , وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ , فَكَانَ لِشَغَفِهِ بِهِمَا يَجْمَعُهُمَا فِي مَجْلِسِهِ , فَحَانَتْ مِنْ مُجَاشِعٍ الْتِفَاتَةٌ وَنَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ يَخُطُّ فِي الْأَرْضِ خُطُوطًا , فَقَالَتِ الْخُضَيْرَاءُ: وَأَنَا؟ فَعَلِمَ مُجَاشِعٌ أَنَّهُ جَوَابُ كَلَامٍ , وَكَانَ مُجَاشِعٌ لَا يَقْرَأُ , وَكَانَتِ الْخُضَيْرَاءُ تَقْرَأُ , وَانْصَرَفَ نَصْرٌ إِلَى مَنْزِلِهِ , وَدَعَا مُجَاشِعٌ كَاتِبًا فَقَرَأَهُ فَإِذَا هُوَ: إِنِّي لَأُحِبُّكِ حُبًّا لَوْ كَانَ فَوْقَكِ لَأَظَلَّكِ , وَلَوْ كَانَ تَحْتَكِ لَأَقَلَّكِ. وَبَلَغَ نَصْرًا مَا فَعَلَ مُجَاشِعُ -[395]- بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ فَاسْتَحْيَا لِذَلِكَ , وَاشْتَدَّ وَجْدُهُ , وَظَهَرَ دَنَفُهُ , وَعَظُمَتْ بَلِيَّتُهُ , وَجَلَّتْ رَزِيَّتُهُ , وَالْتَحَفَ عَلَيْهِ الضَّنَا , وَامْتَنَعَ مِنَ الْغِذَاءِ حَتَّى شَارَفَ الْفَنَاءَ. كَذَلِكَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ , عَنْ مَخْلَدِ بْنِ الْحُسَيْنِ , عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا كَانَ مِنْ قِصَّةِ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ , وَأَنَا ذَاكِرٌ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ , وَذَاكِرٌ مَا آلَتْ إِلَيْهِ حَالُ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. أَلَا تَرَى إِلَى فِرَاسَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا أَوْضَحَهَا , وَإِلَى ظَنِّهِ مَا أَصْدَقَهُ , وَإِلَى قَبِيحِ مَا ارْتَكَبَهُ نَصْرٌ مَا أَقْطَعَهُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ , عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَحْوِهِ