574 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ , عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ قَالَ: كَانَ وَضَّاحُ الْيَمَنِ نَشَأَ هُوَ وَأُمُّ الْبَنِينَ صَغِيرَيْنِ , فَأَحَبَّهَا وَأَحَبَّتْهُ , وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا , حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ حُجِبَتْ عَنْهُ , فَطَالَ بِهَا الْبَلَاءُ , فَحَجَّ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ , فَبَلَغَهُ جَمَالُ أُمِّ الْبَنِينَ وَأَدَبُهَا , فَتَزَوَّجَهَا وَنَقَلَهَا مَعَهُ إِلَى الشَّامِ. قَالَ: فَذَهَبَ عَقْلُ وَضَّاحٍ عَلَيْهَا , وَجَعَلَ يَذُوبُ وَيَنْحُلُ , فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْبَلَاءُ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ , فَجَعَلَ يَطِيفُ بِقَصْرِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي كُلِّ يَوْمٍ , لَا يَجِدُ حِيلَةً , حَتَّى رَأَى يَوْمًا جَارِيَةً صَفْرَاءَ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى تَأَنَّسَ بِهَا , فَقَالَ -[289]- لَهَا: هَلْ تَعْرِفِينَ أُمَّ الْبَنِينَ؟ قَالَتْ: إِنَّكَ تَسْأَلُ عَنْ مَوْلَاتِي , فَقَالَ: إِنَّهَا لَابْنَةُ عَمِّي , وَإِنَّهَا لَتُسَرُّ بِوَضْعِي لَوْ أَخْبَرْتِيهَا قَالَتْ: إِنِّي أُخْبِرُهَا , فَمَضَتِ الْجَارِيَةُ فَأَخْبَرَتْ أُمَّ الْبَنِينَ , فَقَالَتْ: وَيْلَكِ أَوَحَيٌّ هُوَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَتْ: قُولِي لَهُ: كُنْ مَكَانَكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ رَسُولِي , فَلَنْ أَدَعَ الِاحْتِيَالَ لَكَ , فَاحْتَالَتْ إِلَى أَنْ أَدْخَلَتْهُ إِلَيْهَا فِي صُنْدُوقٍ , فَمَكَثَ عِنْدَهَا حِينًا , حَتَّى إِذَا أَمِنَتْهُ أَخْرَجَتْهُ فَقَعَدَ مَعَهَا , وَإِذَا خَافَتْ عَيْنَ رَقِيبٍ أَدْخَلَتْهُ الصُّنْدُوقَ. فَأُهْدِيَ يَوْمًا لِلْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ جَوْهَرٌ , فَقَالَ لِبَعْضِ خَدَمِهِ: خُذْ هَذَا الْجَوْهَرَ فَامْضِ بِهِ إِلَى أُمِّ الْبَنِينَ , وَقُلْ لَهَا: أُهْدِيَ هَذَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينِ فَوَجَّهَ بِهِ إِلَيْكِ. فَدَخَلَ الْخَادِمُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَوَضَّاحٌ مَعَهَا فَلَمَحَهُ وَلَمْ تُشْعُرْ أُمُّ الْبَنِينَ , فَبَادَرَ إِلَى الصُّنْدُوقِ فَدَخَلَهُ , فَأَدَّى الْخَادِمُ الرِّسَالَةَ إِلَيْهَا وَقَالَ لَهَا: هَبِي لِي مِنْ هَذَا الْجَوْهَرِ حَجَرًا. فَقَالَتْ: لَا أُمَّ لَكَ , وَمَا تَصْنَعُ أَنْتَ بِهَذَا , فَخَرَجَ وَهُوَ عَلَيْهَا حَنِقٌ , فَجَاءَ الْوَلِيدَ فَخَبَّرَهُ الْخَبَرَ وَوَصَفَ لَهُ الصُّنْدُوقَ الَّذِي رَآهُ دَخَلَهُ , فَقَالَ لَهُ: كَذَبْتَ لَا أُمَّ لَكَ , ثُمَّ نَهَضَ الْوَلِيدُ مُسْرِعًا فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ وَفِيهِ صَنَادِيقُ عِدَادٌ , فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى ذَلِكَ الصُّنْدُوقِ الَّذِي وَصَفَ لَهُ الْخَادِمُ , فَقَالَ: يَا أُمَّ الْبَنِينَ هَبِي لِي صُنْدُوقًا مِنْ صَنَادِيقِكِ هَذِهِ , فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , هَيَ وَأَنَا لَكَ. فَقَالَ: مَا أُرِيدُ غَيْرَ هَذَا الَّذِي تَحْتِي قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنَ أُمُورِ النِّسَاءِ , فَقَالَ: مَا أُرِيدُ غَيْرَهُ , فَقَالَتْ: هُوَ لَكَ , فَأَمَرَ بِهِ فَحُمِلَ , وَدَعَا بِغُلَامَيْنِ فَأَمَرَهُمَا بِحَفْرِ بِئْرٍ فَحَفَرَا , حَتَّى إِذَا حَفَرَا فَبَلَغَا الْمَاءَ وَضَعَ فَمَهُ عَلَى الصُّنْدُوقِ وَقَالَ: أَيُّهَا الصُّنْدُوقُ , قَدْ بَلَغَنَا عَنْكَ شَيْءٌ , فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَقَدْ دَفَنَّا خَبَرَكَ وَدَرَسْنَا أَثَرَكَ , وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَمَا -[290]- عَلَيْنَا فِي دَفْنِ صُنْدُوقٍ مِنْ خَشَبٍ. وَخَرَجَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأَلْقِيَ بِهِ فِي الْحُفْرَةِ , وَأَمَرَ بِالْخَادِمِ فَقُذِفَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَوْقَهُ وَطَمَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا التُّرَابَ. قَالَ: فَكَانَتْ أُمُّ الْبَنِينَ تُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ تَبْكِي إِلَى أَنْ وُجِدَتْ فِيهِ يَوْمًا مَكْبُوبَةً عَلَى وَجْهِهَا مَيِّتَةً