406 - أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبَّاسٍ الصَّائِغُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ عُذْرَةَ قَالَ: " كَانَ فِينَا فَتًى ظَرِيفٌ غَزِلٌ، وَكَانَ كَثِيرًا يَتَحَدَّثُ إِلَى النِّسَاءِ، فَهَوَى جَارِيَةً مِنَ الْحَيِّ فَرَاسَلَهَا فَأَظْهَرَتْ لَهُ جَفْوَةً، فَوَقَعَ مُضْنًى مُدْنِفًا، وَظَهَرَ أَمْرُهُ وَبِينَتْ دَنَفُهُ، فَلَمْ تَزَلِ النِّسَاءُ مِنْ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا يُكَلِّمُونَهَا حَتَّى إِجَابَتْهُ فَصَارَتْ إِلَيْهِ عَائِدَةً وَمُسَلِّمَةً، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا تَحَدَّرَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
أُرِيتُكِ إِنْ مَرَّتْ عَلَيْكِ جَنَازَتِي ... تَلُوحُ بِهَا أَيْدٍ طُوَالٍ وَشُرَّعِ
أَمَا تَبْتَغِينَ النَّعْشَ حَتَّى تُسَلِّمِي ... عَلَى رَمْسِ مَيْتٍ فِي الْحُفَيْرَةِ مُودَعِ
قَالَ: فَبَكَتْ رَحْمَةً لَهُ وَقَالَتْ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ بَلَغَ بِكَ كُلَّ هَذَا، فَوَاللَّهِ لَأُسَاعِدَنَّكَ، لَأُدَاوِمَنَّ عَلَى وَصْلِكَ، فَهَمِلَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
دَنَتْ وَظِلَالُ الْمَوْتِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ... وَمَنَّتْ بِوَصْلٍ حِينَ لَا يَنْفَعُ الْوَصْلُ
ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً خَرَجَتْ نَفْسُهُ، فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ تِلْثِمُهُ وَتَبْكِي، فَرُفِعَتْ عَنْهُ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَمَا مَكَثَتْ بَعْدَهُ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَتْ "