يشترك هو والمعدوم فيه، فلو كان المراد بقوله {لا تدركه الأبصار} أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال لمشاركة المعدوم له في تلك، فإن العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار، والرب جلا جلاله يتعالى أن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض. فإذا المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به، لأن الإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية1.
قال ابن خزيمة: ولو كان معنى قوله: لا تدركه الأبصار ما تتوهمه الجهمية المعطلة، الذين يجهلون لغة العرب فلا يفرقون بين النظر وبين الإدراك، لكان معنى قوله لا تدركه الأبصار: أي أبصار أهل الدنيا قبل الممات2.
منها قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} 3.
والاستدلال بالآية من عدة وجوه:
* الوجه الأول: أن موسى عليه السلام سأل الرؤية، ولو امتنع كونه تعالى مرئياً لما سأل لأنه حينئذ إما أن يعلم امتناعها أو يجهله، فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال الممتنع لأنه عبث والأنبياء منزهون عنه، وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز على الله ويمتنع لا يكون نبياً كليماً، قد قال تعالى {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 4.
* قال ابن قتيبة: وفي قوله موسى {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} أبين الدلالة بأنه يرى في القيامة ولو كان الله لا يرى في حال من الأحوال ولا يجوز عليه