وبعد ذلك قوى عظامها بشر المريسي في أوائل القرن الثالث، حتى بلغت ذروتها، وتعرض علماء السلف- كإمام أهل السنة أحمد بن حنبل وغيره على أيديهم فيها إلى أنواع من البلاء والأذى.

ثم إن اختلاف الناس في مسألة القرآن يرجع إلى اختلافهم في صفة الكلام، ويجدر بنا في هذا المقام أن نسرد بعض هذه المقالات التي قيلت في هذه الصفة، ونشأت منها هذه الفتنة، أعنى فتنة خلق القرآن.

مذهب السلف:

قالوا إن الكلام صفة لله كسائر الصفات الأخرى، وهي صفة ذات وفعل، يتكلم بها متى شاء وكيف شاء، وهو حروف وأصوات يسمعها من يشاء من مخلوقاته، وإن الكلام بصوت ليس كصوت المخلوقين وكلامه قديم النوع، كما أن سائر صفات الله تعالى قديمة.

* كما أنهم أجمعوا على أن موسى عليه السلام سمع كلام الله من الله تعالى، لا من الشجر أو الحجر، أو من غيره، كما قالت الجهمية والمعتزلة، لأنه لو سمع من غير الله تعالى، لكان بنو إسرائيل أفضل من ذلك منه، فإنهم سمعوا من أفضل ممن سمع منه موسى لكونهم سمعوا من موسى عليه السلام، وهو على زعمهم إنما سمع من الشجرة، وهو غير معقول1.

* وكذلك لم يجز أن يكون الكلام الذي سمعه إلا صوتاً وحرفاً، وليس معنى في النفس، فإنه لو كان معنى في النفس كما زعمت الكلابية والأشاعرة والماتريدية، لم يكن ذلك تكليماً لموسى عليه السلام ولا هو شيء يسمع.

فالقرآن عند السلف كلام الله تعالى. ووحيه وتنزيله، فيه معاني توحيده، ومعرفة آياته وأنه غير مخلوق بحروفه ومعانيه فهو كلام الله تعالى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015