{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ} الأحبار في اليهود والرُّهبان للنصارى.
"فقال: يا محمد" اليهود يخاطبونه بهذا الخطاب، وأحياناً يقولون: يا أبا القاسم، ولا يقولون: يا نبيَّ الله، أو يا رسول الله، لأنّهم يجحدون رسالته ويحسدونه- عليه الصلاة والسلام-، وإنْ كانوا يعترفون بأنّه رسول الله وأنّه نبيُّ الله في قَرارة أنفسهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) } ، فهم يعلمون أنّه رسول الله، وأنّه نبيُّ الله، ولكنّهم جحدوا هذا تكبُّراً وحسداً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحسداً للعرب، لأنّهم يريدون أن تكون النبوّة في بني إسرائيل ولا يريدونها أن تكون في بني إسماعيل، ولكنّ الله يختصّ برحمته من يشاء.
قال الحبر: "إنا نجد" يجدون ذلك في التّوراة.
"أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إِصبع" الأرضين: جمع أرض.
"والشجر على إصبع"؛ شجر الدنيا، شجر البر والبحر، فالشجر اسم جنس يشمل كلّ الشجر الذي في الدنيا.
"والثرى على إصبع " الثرى يعني: التراب: قال سبحانه وتعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) } أي: تحت التُّراب.
"وسائر الخلْق على إصبع" يعني: باقي المخلوقات.
فهذه خمسة أصابع عليها جميع المخلوقات العلوية والسفلية، كلّ إصبع عليه خلْقٌ من خلقه سبحانه وتعالى.
"فيقول: أنا الملك" ولا أحد ينازع في هذا، فدلّ على انفراده سبحانه بالمُلْك يوم القيامة، يقول الله جل وعلا: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فيقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} ، ولا أحد ينازع في هذا فيدّعي شيئاً من ملك السماوات والأرض، لأنّه لا أحد يملك السماوات والأرض إلاّ الله سبحانه وتعالى.
أمّا المُلك المؤقت في الدنيا والملك الذي يُعطى لبعض النّاس فهذا عارية، ليس مُلكاً حقيقيًّا وإنّما هو عاريّة وامتحان يزول؛ {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ