كذلك ما قدر الله حقّ قدره من نفى القدر: فالقدريّة ما قدروا الله حقّ قدره، حيث نفوا القدر، وقالوا: "إنّ الأشياء توجد بدون قدر الله وأنّها أُنف- يعني: تحدُث بغير قدر الله، وإنّما العبد هو الذي يخلق فعل نفسه دون أن يكون لله قدرٌ سابق وعلمٌ سابق بهذه الأشياء، {مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} .
ويدخل في ذلك كلّ من ألحد في القدر من الجبرية ومن القدريّة، كلّهم ما قدروا الله حقّ قدره.
أيضاً: ما قدر الله حقّ قدره مَن عصى الله وارتكب ما حرّم الله من المعاصي وترك ما أوجب الله من الطّاعات، ما قدر الله حقّ قدره، لأنّه خالف أمره سبحانه وتعالى، ولا شك أن من عصى مخلوقاً فقد تنقّصه فكيف بمن عصى الخالق، {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} لو أنّ إنساناً تمرّد على أوامر ملِك من الملوك وأبى أن ينفِّذ ما آمر به، فيكون ما قدر ذلك الملِك حق قدره، بل تنقّص هذا الملِك حيث إنّه لم يلتزم بأوامره ونواهيه، فكيف بالذي خالف أمرَ الله سبحانه وتعالى، وخالف نواهيه، وارتكب المنهي وترك الواجب؟، هل يكون هذا مقدِّراً لله حقّ قدره؟.
إذاً فكلّ مخالف لأوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه وأحكامه فإنّه ما قدر الله حقّ قدره، حيث لم يمتثل شرعَ الله، ومن لم يمتثل شرع الله فإنّه لم يقدُره حقّ قدره.
كذلك من حكم بغير ما أنزل الله، وجعل القوانين الوضعيّة بديلاً عن الأحكام الشّرعية التي شرعها الله لعباده ما قدر الله حقّ قدره، يقول- بلسان الحال أو بلسان المقال-: إنّ شرعك لا يصلُح للبشر، وإنّما يصلُح للبشر القوانين البشرية التي وضعها المخلوق، هكذا، ما قدر الله حقّ قدره سبحانه.
والنّاس يتفاوتون في هذا، فمنهم من خالف مخالفة كبيرة ومنهم من هو دون ذلك بحسب مخالفتهم، كلّ من خالف الله أي نوع من المخالفة فإنّه ما قدر الله حقّ قدره، وإنّما قدر الله حقّ قدره من امتثل أوامره ونواهيه وحكم بكتابِه وعبد الله وحده ولم يُشرك به شيئاً، هذا هو الذي قدَر الله حق قدْره، امتثل أمره واجتنب نهيه وآمن به سبحانه وتعالى ووصفه بما وصف به نفسَه وسمّاه بما سمّى به نفسه أو وصف وسمّى به رسولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا هو الذي قدر الله حقّ قدره.