{حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} من النِّزاع والاختلاف، وهذا- كما ذكرنا- عامٌّ للاختلاف في الخُصومات الّتي تنشَبُ في الأموال أو غيرها، وفي العقائد، وعامٌّ في الخُصومات في المذاهب والآراء الفقهية، وعام في الخصومات في المناهج الدّعويّة التي انقسم فيها النّاس اليوم، يجب أن يحكَّم فيها كتاب الله وسنّة رسوله، فإن لم يُفعلوا فليسوا بمؤمنين، لأن الله أقسم سبحانه على نفي الإيمان عن من لم يعمل هذا العمل.

ثم قال تعالى: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ} أما مَن تحاكَم إلى الشّريعة ولكنّه قَبِل الحُكم على مَضَض، وهو يجد في نفسه كراهية لهذا الحكم فهذا ليس بمؤمن، لابدّ أن يقبَل هذا الحُكْم عن اقتناع، أما إنْ قَبِلَه مضطّرًّا وأغمض عليه إغماضاً فهذا ليس بمؤمن.

ثم قال تعالى: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ينقادون انقياداً تاماً.

فهذه ثلاثة أمور:

أولاً: يحكِّموك فيما شَجَر بينهم.

ثانياً: أن لا يجدوا في أنفسهم حرجاً من حكم الله ورسوله.

ثالثاً: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ينقادون انقياداً لحكم الله ورسوله.

فبهذه الأمور الثلاثة يثبُت الإيمان بها ويتحقّق.

فالذي لا يحكِّم كتاب الله وسنّة رسوله ليس بمؤمن، والذي يحكِّم كتاب الله وسنّة رسوله ولا يرضى به، وإنما يقبَله مجامَلة، أو لأجل غَرضٍ من الأغراض هذا ليس بمؤمن، والّذي لا ينقاد ولا يسلِّم، هذا ليس بمؤمن.

ثم- أيضاً- ليس المقصود من التحاكُم إلى الشريعة هو مجرّد تحقيق الأمن والعَدالة بين الناس، فهذا لا يكفي، لابدّ أن يكون تحكيم الشريعة تعبُّدا ًوطاعةً لله، فالّذين يحكِّمون الشّريعة من أجل ما فيها من المصالح والعدل بين الناس فقط، فهذا لا يدلّ على الإيمان، لابد أن يكون تحكيم الشّريعة صادراً عن إيمان وتعبُّد لله عزّ وجلّ وطاعةً لله عزّ وجلّ، لأنّ هذا من التّوحيد، أمّا الذي لا يقبل من الشّريعة إلا المصالح الدنيويّة والعدالة الحاصلة بين الناس في هذه الدنيا فهذا لا يكفي، بل يحكِّم الشريعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015