يبطل الوقف، فلا يباع ولا يوهب، بل ينتفع الموقوف عليه - ولو بجعله أبوابا، إن لم يمكنه إجارته خشبا بحاله - فإن تعذر الانتفاع به إلا باستهلاكه: كأن صار لا ينتفع به إلا بالاحراق: انقطع الوقف - أي ويملكه الموقوف عليه حينئذ - على المعتمد فينتفع بعينه ولا يبيعه.
ويجوز بيع حصر المسجد الموقوفة عليه إذا بليت، بأن ذهب جمالها ونفعها وكانت المصلحة في بيعها، وكذا جذوعه المنكسرة - خلافا لجمع فيهما - ويصرف ثمنها لمصالح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
به حالا بالصلاة والإعتكاف في أرضه، وبه فارق ما لو وقف فرس على الغزو فكبر ولم يصلح حيث جاز بيعه لعدم إمكان الانتفاع به حالا (قوله: أو جف الشجر) معطوف على انهدم، فهو داخل في حيز التفريع (قوله: أو قلعه ريح) أي وإن لم
يمكن إعادته إلى مغرسه قبل جفافه (قوله: ولم يبطل الوقف) أي وإن امتنع وقفه ابتداء لقوة الدوام، وذلك لبقاء عين الموقوف (قوله: فلا يباع ولا يوهب) تفريع على عدم بطلان الوقف (قوله: بل ينتفع الموقوف عليه) أي بالشجر الجاف أو المقلوع بريح (قوله: ولو بجعله أبوابا) غاية للانتفاع، أي ينتفع به انتفاعا عاما، ولو بتقطيعه وجعله أبوابا (قوله: إن لم يمكنه إجارته الخ) قيد في الغاية، أي محل الانتفاع بجعله أبوابا إن لم يمكن إجارته حال كونه خشبا باقيا بحاله، فإن أمكن ذلك لا يجوز الانتفاع بغيره (قوله: فإن تعذر الانتفاع به) أي مع بقاء عينه، (وقوله: إلا باستهلاكه) أي إلا بزوال عينه فلا يتعذر الانتفاع به.
وفي سم ما نصه: لو أمكن والحالة هذه بيعها وأن يشتري بثمنها واحدة من جنسها أو شقصا، اتجه وجوب ذلك، لا يقال الفرض تعذر الانتفاع فلا يصح بيعها، لأنا نقول هي منتفع بها باستهلاكها، فيصح بيعها.
اه.
(قوله: كأن صار) أي الشجر، وهو تمثيل لتعذر الانتفاع إلا باستهلاكه، (وقوله: إلا بالإحراق) أي إحراق الشجر، أي للإيقاد به أو جعله فحما (قوله: انقطع الوقف) جواب أن (قوله: أي ويملكه الخ) الأولى حذف أي التفسيرية، كما مر غير مرة، وما ذكره الشارع من انقطاع الوقف وعوده إلى ملكه، تبع فيه شيخه ابن حجر، ولم يذكر في شرح الروض الانقطاع، بل اقتصر على صيرورته ملكا، واستشكل ذلك مع عدم بطلان الوقف، ونص عبارته مع المتن، وإلا بأن لم يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاكها بإحراق أو نحوه صارت ملكا للموقوف عليه، لكنها لا تباع ولا توهب، بل ينتفع بعينها كأم الولد ولحم الأضحية، وهذا التفصيل صححه ابن الرفعة والقمولي، ونقله الأصل عن اختيار المتولي وغيره، لكن اقتصر المنهاج كأصله، والحاوي الصغير، على قوله وإن جفت الشجرة لم ينقطع الوقف.
وقضيته أنه لا يصير ملكا بحال، وهو المعتمد الموافق للدليل، وكلام الجمهور على أن عوده ملكا مع القول بأنه لا يبطل الوقف، مشكل.
اه.
وأجاب في النهاية عن إشكاله المذكور بما حاصله: أن معنى عود ملكا أنه ينفتع به ولو باستهلاك عينه كالإحراق، ومعنى عدم بطلان الوقف أنه ما دام باقيا لا يفعل به ما يفعل بسائر الأملاك من بيع ونحوه كما مر.
اه.
والذي يظهر من كلامهم أن الخلف لفظي فمن عبر ببطلان الوقف وعوده ملكا.
مراده به جواز الإنتفاع به بأي شئ، ولو باستهلاك عينه إلا بالبيع والهبة فلا يجوز.
ومن عبر بعدم بطلانه مراده به أنه لا يتصرف فيه تصرف الأملاك مطلقا حتى بالبيع والهبة، بل يتصرف فيه بغير ذلك من إحراق ونحوه (قوله: فينتفع بعينه) أي بأي انتفاع، ولو بالاستهلاك، كما علمت (قوله: ولا يبيعه) هذا لا يظهر تفريعه على ما قبله، فكان الأولى أن يدخل عليه أداة الاستدراك بأن يقول، كما في شرح الروض، ولكن لا يبعيه، أي ولا يوهبه (قوله: ويجوز بيع حصر المسجد الخ) قال في التحفة، أي لئلا تضيع
فتحصيل يسير من ثمنها يعود على الوقف أولى من ضياعها، واستثنيت من بيع الوقف، لأنها صارت كالمعدومة.
اه.
(قوله: بأن ذهب جمالها ونفعها) أي مع بقاء عينها، وهو تصوير لبلائها (قوله: وكانت المصلحة) أي للوقف.
(وقوله: في بيعها) أي الحصر (قوله: وكذا جذوعه الخ) أي ومثل الحصر، الجذوع، فيجوز بيعها إذا انكسرت.
وجذع النخلة ما بين أصلها الذي في الأرض ورأسها، كما في تفسير الخطيب، (وقوله: المنكسرة) أي أو المشرفة على الانكسار.
وزاد في متن المنهاج، ولم تصلح إلا للإحراق.
قال في التحفة، وخرج بقوله ولم تصلح الخ: ما إذا أمكن أن يتخذ منه نحو ألواح، فلا تباع قطعا، بل يجتهد الحاكم ويستعمله فيما هو أقرب لمقصود الواقف.
قال السبكي: حتى لو أمكن استعماله بإدراجه في آلات العمارة، امتنع بيعه فيما يظهر.
اه.
(قوله: خلافا لجمع فيهما) أي في الحصر والجذوع صححوا